أصدرت إحدى المحاكم الألمانية حكماً بالسجن المؤبد بحق ضابط سوري قد تسبب بالإضرار بالآلاف من المعتقلين السوريين، اسمه نور أرسلان، وسيلحق به في هذه الأيام مواطنه الطبيب علاء موسى للأسباب ذاتها، وهذه المرة بخبرة وقسوة طبيب!
هذا الخبر ومضمونه سيمرّ كحال الكثير الكثير من المواضيع المسمِمة والموجِعة، وبالتالي يستحق أحيانا أن يقول المرء: لا تعليق.. لكثرة تكرار ما وقع على الناس، ناس المنطقة التي تعيش فيها، حيث لا من يريد أن يسمع أو يرى ولا من يحاسب ولا من يدفع الثمن.
المحاكم الألمانية فعلت ما فعلت استنادا لميراث تقاليد القضاء والقانون في بلاد مثل المانيا، حيث سبق لهذه الأمة، وأن ابتليت ونُكبت في ميراثها ووجدانها بأحلك صور القهر والاستبداد (الحقبة النازية). مع ذلك فهي، كحال غيرها من دول اللجوء، واستناداً لمواثيق وقوانين دولية معروفة سُنت إثر محنة الحرب العالمية الثانية، تستقبل ضحايا الاستبداد والتسلط، وتستقبل (معهم) المتسربين من القتلة والجلادين. وهنا تكمن البلوى التي ما بعدها بلوى، ففي المكان ذاته يراد أن يتعايش القاتل والمقتول والمطارِد والمطارَد والجلاد والضحية. أي متلازمة هذه؟ وهل الموضوع يقع في باب الالتباس، أم أن ثمة ناموس على وشك الانقراض، المطلوب (بعثه)، كي يشاهد الميت موته والمعذَب عذابه والمواطن من رفسه ودفنه حيا؟
ماذا يفعل القتلة في المنافي؟ ثمة من يجيب:
إنهم يبحثون عن فرصة للحياة، ربما ملّوا مما عاشوا ومما مارسوا..ولا يستطيعوا فراق ضحاياهم – حب من طرف واحد. أليست الحياة ملكاً للجميع، أليس الجلاد ابن آدم كحال الضحية، أليسوا أبناء وطن واحد، يستوي فيه الراعي والرعية، والقاتل والمقتول، والسافل والنبيل، واللص والمهتوك..، إذاً فالمنفى هو الوطن. وبالتالي ليس من الضروري أن يفترق الاثنان؟
أينما تولي وجهك أيها المواطن ثمة من يريد بك الشر والأذى والشقاء، وبما أنك مواطن ضحية فهناك مواطن جلاد، ولأنكما تتشاركان في مكان اسمه وطن فلا ضير أن تتقاسما المنفى.
نحن نحب أوطاننا لكن هناك من صيّرها منافي، ونحن نكره منافينا لكن هناك من حولها إلى أوطان على يد بُناتها ومحبيها، لبعض من ذلك تتحول المنافي إلى مآوٍ وملاجئ وأوطان في عين من ناهضوا واحتقروا مستبديهم وجلاديهم..القدامى والجدد.