سيظل هدف بسام الراوي مع المنتخب القطري في مرمى منتخب بلاده، والذي أطفأ أفراح 40 مليونا من أبناء شعبه السابق، وأشعل أفراح 500 ألف من شعبه اللاحق، سيظل عالقا في ذاكرة الجمهور الرياضي الى سنوات، بل عقود قادمة، والسبب ليس خسارة المنتخب العراقي والخروج من بطولة كأس الأمم الآسيوية، بل في تلقي مرماه هدفا متقنا بأقدام عراقية ترعرعت على أرض الرافدين، عشقت نجومه، وتعلمت فيه فنون الساحرة المستديرة، زادتها بلة، طريقة احتفال اللاعب التي ووصفت بالاستفزازية، الامر الذي لم تنفع بتهدئتها كل التبريرات التي ساقها اللاعب ووالده النجم الدولي السابق هشام علي في اللقاءات التي تلت المباراة.
تابعت ردود الأفعال الشعبية والنخبوية في وسائل التواصل الاجتماعي، أو على الصفحات الرسمية ووسائل الاعلام المحلية، طوال الأيام التي تلت خروج المنتخب العراقي من البطولة، فانتظرتها أن تخفت قليلا لأتمكن من قراءتها بدقة، لذا فيمكن تصنيف ردود الأفعال تلك الى ثلاثة مستويات:
الأول: انتقد بسام بشدة، ووصفه بالخائن، وحمله وزر هزيمة المنتخب، متناسيا أسباب الخسارة الحقيقية، وقوة المنافس الذي يعيش انسجاما واستقرارا فنيا منذ 6 أعوام، ونسي أن المنتخب العراقي منتخب فتيّ نزع جلده بالكامل، وقدم أكثر مما هو متوقع منه تحت قيادة مدرب جديد.
الثاني: وصف بسام بالبطل وحيّا روحه البطولية في الميدان، دفاعا عن جنسيته الجديدة التي منحته فرصة استثنائية لم يكن ليحصل عليها في بلده الأم.
الثالث: لم ينتقد بسام على اختياره الجنسية التي يشاء، ولا على تهديفه في مرمى منتخب بلده الأصلي، بل انتقد طريقة احتفاله الاستفزازية، التي لا تليق باللاعبين المحترفين، وذكّره بتصرفات اللاعبين الكبار، حين يحتفلون بالفوز على أنديتهم السابقة، مراعاة لجماهيرها، مؤكدا له أن الوطن السابق أولى بالاحترام من النادي السابق أو استفزاز شعبه.
ربما يمثل الصنف الثالث النموذج الأقرب الى المنطق والروح الرياضية في التعامل مع، لأن سياسة التخوين والفرض باتت مسألة مرفوضة، في ذات الوقت لا أجد ما يبرر للبعض الآخر محاولة التخفيف من أثر الصدمة التي تلقاها الجمهور العراقي، من أحد أبناء البلد، وفي ذروة وهجه الوطني تحت مبررات الاحتراف، خصوصا وأن قطر لم تقم بتجنيس أي لاعب ينحدر من قارة آسيا سوى العراقي بسام الراوي، رغم أن بلدانا أخرى غير العراق، هي الأخرى زاخرة بالمواهب الكروية، كايران وسوريا والأردن واليمن وغيرها، وهذا فعلا ما لفت انتباهي أثناء متابعتي لجذور القضية، لأن جل لاعبي المنتخب القطري ينحدرون من قارات إفريقيا وأوروبا وأميركا الجنوبية، وليس من القارة الصفراء، وربما يفتح هذا الأمر سؤالا حول سر الأمر الذي قد يعود الى أن مواطني بلدان القارة سوف لن يكونوا مخلصين لقطر في حال أي مواجهة تجمعها بمنتخبات لاعبيها المجنسين، فهل كان العراقي استثناءً راهنت عليه وربحت الرهان؟
المسألة أبعد من قضية لاعب أهدى خدماته لبلد آخر مقابل جنسية وفرصة عمل، بل إنها نكأت جرحا غائرا في مفهوم الانتماء للوطن، وكشفت النقاب عن قضية يسعى العراقيون لتعطيلها وتناسيها أثناء المنافسات الكروية التي عادةً ما يرتفع معها منسوب الروح الوطنية، بفعل انجذابهم وبكل انقساماتهم غير المتناهية الى عواطفهم المشدودة بأقدام لاعبي منتخبهم، استنادا الى المفهوم التقليدي للوطن المرتبط بالأرض والتاريخ والروح والمجتمع، غير أن “نموذج بسام”، الذي ظهر فجأةً، نسف كل الأسس الراسخة لمفهوم الوطن، وهشّم معناه في أذهان الكثير من المنقسمين والمترددين، لاسيما الشباب منهم، فأثار جدلا واسعا حول الوطن والمواطنة بينهم.. هل هو ذلك الذي ينتمي اليه بالفطرة والروح، أم هو من يوفر له ما يريد على طبق من ذهب؟
قصة بسام فتحت الباب على مصراعيه لقصص أخرى لكن بأشكال مختلفة، أبرزها لسياسيين باعوا خدماتهم أيضا لبلدان أخرى، لكن الفرق بينهم وبين بسام أنه كان واضحا ومعلنا، أما هؤلاء فكانوا مخفيين وغامضين، وأحيانا بوجهين متناقضين، امتصوا خيرات البلاد وحولوها الى استثمارات عائلية في دول أخرى لا زالت أسواقها مفتوحة للمزيد منهم.