لو عدنا بالزمن إلى الوراء واستعرضنا أسباب الحروب عبر التاريخ لوجدنا أن كل الحروب المدمرة كانت بسبب حماقة البشر وتطلعات البعض لما هو أبعد من التفكير السوي في العيش الكريم بسلام وأن معظم مصائب البشر هي بسبب سلوكيات سلطوية نابعة من نفوس مريضة بشتى الأمراض النفسية المترسبة في أعماق تلك النفوس وشخصيات تعاني من التهميش الاجتماعي أو من تلك التي تمتلك المال والجاه والتي تظن بأنها وكيلة للرب بل أنها الرب نفسه؟
فرعون وجد في نفسه الإله الأوحد في مصر القديمة فوقف في وجه موسى بل في وجه رب موسى ليخسر العرش والنفس ويضحي بمن حوله ممن لا حول لهم ولا قوة ويدمر أعرق الحضارات التي عرفها التاريخ, ونيرون المجنون الذي أحرق روما بمن فيها في لحظة طيش ليحول المشهد إلى حرب بين مراكز القوى للاستئثار بالسلطة, والأسكندر المقدوني الذي وجد في نفسه سيد هذا العالم فصال وجال في الأرض ليرضي غروره غير عابئ بمصائر الشعوب وهتلر الغريب الأطوار والمصاب بداء العظمة الذي تصور أنه فوق مستوى البشر وجر العالم إلى أسوأ حرب عرفتها البشرية عبر التاريخ وقضى على ربع سكان العالم وموارده وموسوليني وصدام والقذافي والأسد وغيرهم من قادة العالم الذين حولوا بلدانهم إلى أثار بعد عين.
أما اليوم فثمة قادة غيرهم لم يقلوا سوءا عنهم وكأن الجينات البشرية القذرة وباء ينتشر عبر الأثير ليصيب من لديهم الاستعداد للإصابة بهذا الداء الخطير في ظل فئة تحتضن أفكارهم وتنميها وتهيئ لهم كل سبل التدمير لتملأ جيوبها وتقوي شوكتها, فتجار الحروب ولوبيات المال العالمي لا تفتأ تعمل جاهدة في خلق الأزمات وتعكير صفو الاستقرار في كل مكان تقبع فيه الثروة والمال لتضرب أكثر من عصفور بحجر واحد, فهي تستحوذ بهدوء على ثروات الشعوب بعد إنهاكها بالحروب وتحصد أموالها ببيع أسلحتها الفتاكة و تُشَغِلَ شركاتها في إعادة إعمار ما دمرته الحروب و وتتقمص دور الأم الرؤوم في إغاثة الشعوب المنكوبة عبر منظماتها المشبوهة التي تمول مشاريعها من أموال الدول المتضررة.
الحروب لن تتوقف طالما أن الحمقى والمرضى والمهمشين والمعتوهين وأصحاب النفوذ العشائري والمالي هم من يحكم هذا العالم, لكن ذلك لا يعني أن الشعوب تقف بمنأى عن أسباب الحروب والدمار, فهي السبب الأول والأخير في نشوئها وهي من يهيئ الوقود لإشعالها فهي من تصنع بأيديها آلهة الحرب ومن ثم تخضع لأرادتها وتخنع لسلطتها الجائرة والتعسفية وترزح تحت رحمة أهوائها واستبدادها وتتجرع مرارة أفعالها وتتلقى ركلاتها القاسية بتقبيل أياديها.
لا فرق بين الإنسان في عصور ما قبل التاريخ مرورا بالعصور الجاهلية ووصولا لإنسان اليوم, فذاك الإنسان كان يصنع إلهه بيديه من الطين ومن الخشب و الحجر ثم يخلق له مكانة في مخيلته المريضة ويصوره على إنه الحامي والراعي حتى تتحول تلك الصور إلى رموز للقداسة و(تابوهات) لا يمكن المساس بها ؟ واليوم هناك شعوب تصنع رموزها بأيديها وتجعلها وكلاء للرب وتلحس مؤخراتها و‘تقَبّل التراب الذي تمشي عليه وتتركها تسيطر على مقدراتها وتتحكم بحياتها وأرواحها, فلا غرابة أن نكون على أعتاب الحرب العالمية الثالثة طالما أن شعوبنا مازالت تصنع ألهتها بيدها و أن (راسبوتينات) الدين مازالت تمسك زمام الأمور وتحركها بخرافات وخزعبلات منقرضة وطالما أن هناك حميرا تحمل أسفارا و تفرض رغباتها المريضة على شعوبها لتقودها وفقا للأعراف العشائرية البالية بعد أن صدقت الكذبة بأنها أصبحت أربابا.