صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

عن إقتصادات النفط في زمن الانحدار

يتحدث عبد الخالق عبدالله في كتابه “لحظة الخليج  في التاريخ العربي المعاصر” (نشر عام 2018) عن ثلاث مسارات مستقبلية للحالة الخليجية أكثرها احتمالية مايسميه الحالة الخليجية الخضراء، مفادها عدم حصول انتكاسات ومفاجآت على المدى القصير، أي في عام 2020، مع معدل 50 دولار لبرميل النفط. ولكن 2020 خيبت التوقعات فكان الهبوط الحاد لاسعار برميل النفط في ابريل الماضي (41 دولارًا للبرميل).

واللافت للنظر ان نظرية قمة هوبرت في النفط تتنبأت بحدوث “الذروة” التي تعبّر عن الإنتاج الأقصى للبترول على أساس النقطة الزمنية التي يكون عندها معدل الإنتاج لحقل نفط قد وصل أقصاه وبعد تلك النقطة تبدأ إنتاجية البئر في الانخفاض. الا أن هوبرت ربط هذا الانخفاض بالانتاج بسبب نضوب الآبار النفطية ، ليأتي وباء كورونا بعد 64 عامًا من صياغة نظريته (1956) ويثبت أن التاريخ سيفاجئك، فيكون الانخفاض ناتج عن تراجع الاستهلاك. فقد تراجع انتاج اوبك من 34.63 مليون برميل في اليوم عام 2019 الى 30.58 في العام 2020. ووفقًا لبحث جديد أجرته شركة الاستشارات العالمية ماكينزي، من المحتمل أن يصل الطلب الإجمالي على النفط ذروته في عام 2029 والغاز في عام 2037. ويرجع ذلك جزئيًا إلى تأثيرات كوفيد 19 التي أدت إلى تغيير منحنيات الطلب على الطاقة بشكل دائم. على الرغم من أن الطلب سيعود إلى مستويات عام 2019 في غضون سنة إلى أربع سنوات حيث من المرجح أن يتعافى الطلب بالكامل بحلول عام 2023، إلا أنه لا يعود إلى مسار النمو السابق.

هذا ما دفع العديد من الشركات الى إعادة النظر في خططها الإنتاجية، وبحسب الخبير الإقتصادي في البنك الدولي بيتر ناجلي “أعلنت العديد من الشركات المنتجة للنفط عن تغييرات في الإستراتيجية طويلة المدى ، بما في ذلك خفض كبير في الاستثمار في مشاريع الهيدروكربون الجديدة ، وإن كان ذلك بآفاق طويلة “. ويتوقع ناجلي “أن يكون للوباء تأثير دائم على استهلاك النفط وأن يصبح الاستهلاك في السنوات القادمة أقل بكثير من اتجاهه السابق للوباء بسبب تغيير في سلوكيات الناس”.

ولكن ما سببه الوباء من أثار على التحولات السلوكية في استهلاك الطاقة يُعتبر طفيفًا مقارنة بالتحولات طويلة الأجل المعروفة مثل تقليل ملكية السيارات وزيادة كفاءة الوقود والاتجاه نحو السيارات الكهربائية ، التي يقدر تأثيرها بثلاثة – إلى تسعة أضعاف تاثيرالوباء بحلول عام 2050 وفقًا ل “ماكينزي”.

ما يحدث يعيد الى الواجهة الحديث عن مصير الدول ذات الاقتصادات النفطية فالمشكلة لم تعد النضوب وخسارة هذه الدول لمواردها وحسب، بل تراجع الطلب الذي سبّبه بالامس وباء عالمي، وغدا قد يسببه اعتماد طاقات بديلة. فهناك اليوم اتجاه عالمي نحو هذه الطاقات للمساعدة في كسر الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري. وهناك العديد من الافكار المقترحة  كالاندماج النووي ، والوقود الشمسي ، والمحطات النووية البحرية العائمة ، وأشعة الموجات الدقيقة. وهذه ليست أفكار مطروحة وحسب بل بعضها دخل حيّز التنفيد، فقد بدأ العلماء العام الماضي مرحلة التجميع التي تستغرق خمس سنوات للمفاعل النووي الحراري التجريبي الضخم ITER ، وهو أكبر مفاعل اندماج في العالم ، في سان بول ليس دورانس في فرنسا.

كل هذه المعطيات تضعنا أمام التساؤل التالي: كيف ستواجه الدول النفطية والخليجية هذه التحولات التي ستؤثر على اقتصادها بشكل كبيرخلال الثلاثين سنة القادمة؟ هل ستبيع ناطحات السحاب ام المولات الكبيرة؟

أقرأ أيضا