صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

عن الحُرَّة الحُرَّة، اتحدث

أوقفتني حملة التضامن التي حدثت على وسائل التواصل الاجتماعي، وبقية الزملاء، مبهوتين أمام كمِّ الحب الذي انهال علينا ومستوى الثقة الذي مُنحنا. وهو ما يدعوني إلى توجيه كلمة شكر إلى جميع من كتب شاجبا أو مستنكراً أو متضامناً، وكذلك إلى كل من اتصل من ساسة وزملاء وأصدقاء ومهتمين، ممن عرضوا فرصاً للعمل او عبروا عن دعم او تواصلوا من أجل يفهموا طبيعة ما حدث.

حقيقة لم أشأ أن أكتب عمّا حدث في الحرَّة أول الأزمة، حتى امنح رأيي مزيدا من الاسترخاء أولاً. وثانيا من اجل ان افْصِل مابين الكتابة عن موضوعين مختلفين؛ موضوع الحرّة التي تُمثّل تجربة عمل غاية في الغنى والمسؤولية، امتدت بالنسبة لي ما بين منتصف 2006 وحتى منتصف 2018. وما بين تجربة الحرة في الأشهر الأخيرة، أي الوقت الذي بدأت فيه الادارة الجديدة تكشف عن غاياتها بشكل بطيء وحذر، وما بين التجربتين بون واسع من الاختلاف.

تجربة الحرة ما قبل منتصف 2018 بالنسبة لي تمثل تجربة تعلُّم صَقَلتُ فيها ادواتي الاعلامية بشكل كبير؛ بالذات لأنها  منحتني مساحة غير معقولة من الحرية، مساحة لا يسهل على الاعلامي أن يحصل عليها في وسائل الإعلام الأخرى، ولهذا السبب قَبِلتُ، شخصياً، ان اقدم ثلاثة برامج، أتولى اعداد وانتاج وتقديم أحدها بشكل كامل، مع أنني لا أتقاضى اكثر من 1800$ بعد الاستقطاع الضريبي. وأرفض بمقابل ذلك عروض عمل سخيَّة جداً وفي قنوات عراقية مهمَّة لثقتي بان السخاء بالمال سياتي على حساب السخاء بالحرية. وهنا لا بد لي من وقفة شكر اقدمها للمرحوم أحمد المهنا الذي أسس مبادئ عمل غاية في النبل، وللزميلين فلاح الذهبي مدير مكتب بغداد وقيس حسن مدير البرامج في بغداد، وأيضاً للزميلة شميم رسام مديرة الحرة عراق. فمن دون هؤلاء لم يكن لهذه الحرية أن تكون متاحة، ولم يكن للنجاح الذي حققناه أن يكون بمتناول اليد. وقد يفاجئ الكثير من الاعلاميين أن أقول بانني لم اتعرض إلى أي نوع من أنواع التدخل مهما كان صغيرا وطوال ما يقارب الـ12 سنة عمل، على الرغم من أنني اقدم البرنامج الحواري الرئيسي الذي يناقش أهم قضايا البلد مع الطبقة العليا من ساسته. وهذه شهادة عرفان آن اوان تقديمها لمن عملت معهم ومكَّنوني من وضع بصمة بسيطة في الإعلام العراقي.

هذا بالنسبة لما يتعلق بالحرة قبل التغيير، اما بالنسبة إلى الحرة ما بعد منتصف 2018، فقد يفاجئكم أن أقول: بأن لا احد، يا أصدقائي، يعلم حقيقة أو أسباب ما تم لحد الان، ولا ما سيتم لاحقاً، والسبب ان العمل يجري بسريّة مخابراتية مثيرة للضحك والقلق بنفس الآن. صدقوني، لا أحد يعلم بمكونات الطبخة التي يتم تقديمها على الصحون، باستثناء ”الشيف“ الرئيسي في المطبخ. هذا ما كده جميع من تواصلت معهم من الزملاء في واشنطن طوال الاشهر السابقة، وهم زملاء على درجة عالية من المكانة والمسؤولية. وهذا امر غاية بالغرابة، ففي مثل شركة MBN العابرة للقارات لا يمكن لأحد أن يتولى عمليات فصل جماعية وبشكل مفاجئ جداً، فمثل هذه الصلاحيات الكبيرة والخطيرة لا يمكن أن تُمنح لاحد تحت أي ظرف أو عنوان، فما الذي جعل ذلك متاحاً إلى هذه الدرجة؟! وهو ما حصل في الإقالات الجماعية التي حصلت في واشنطن بحق نخبة مهمَّة من مقدمي النشرة أولاً، ثم في بغداد ثانياً.

لا أنا ولا أحد من زملائي في واشنطن او بغداد يعلم ما جرى حقيقة. ومع غياب المعلومات لا بد من اللجوء إلى التحليل، ومع الأخذ بنظر الاعتبار بعض التقارير والاخبار التي نُشرت عبر الحرة في الشهرين الأخيرين، والتي تحمل توجهاً سياسياً واضحاً، لا اظن باننا نحتاج إلى جهد كبير لنعرف بأن الغاية من الاقصاء الجماعي هو تمرير سياسة يراد تمريرها عبر هذه المنصَّة الإعلامية المهمَّة. فهذه السياسة لا يمكن تمريرها عبر كادر محترف يمثل مدرسةً في الإعلام تُقدم ”الوسطية“ على كل شيء، وأي مدير قناة فضائية يريد أن يمرر سياسة قناة لا يمكن أن يُبقي مقدمَ برامج مثل الزميل أحمد الهاشم، على سبيل المثال، فهذا الإعلامي المشاكس جداً، والذي يحترم مبادئ مهنته لا يمكن أن يسكت عن أي محاولة ضغط أو توجيه أو إملاء من أحد، فضلاً عن بقية الزملاء الآخرين ممن قاوموا تهديد السلاح وضغط المال والسياسة.

ومن هنا، فخطوة الإقالة لا بد منها كبداية للشروع فيما يراد الشروع به، لذا لابد من الاجابة هنا عن سؤال: لماذا اقتصرت الإقالة على قسم البرامج فقط؟ والجواب بسيط، لأن الاخبار ومنذ سنوات طويلة يتم تحريرها من قبل الزملاء في واشنطن، بخلاف البرامج التي تذهب جاهزة للبث. أي ان التحكم بالاخبار يمكن أن يكون أكثر سهولة، أما البرامج فمن أجل أن يحصل ذلك لا بد من إقناع أو ضمان سكوت جميع النخبة الاعلامية في بغداد، لكن إقالة أفرادها أيسر كثيراً من عملية إقناعهم أو ضمان سكوتهم. خاصَّة وأن الكثير من الاسماء التي تمت اقالتها تعمل ببرامج لم يتم إلغاؤها.

قد أكون مخطئا بهذا التحليل لكن أمام طريقة العمل التي يجري اتباعها منذ تسلم الادارة الجديدة لا اجد امامي غيره، والايام المقبلة ستكشف حقيقة الحال.. شكرا مرة أخرى لكل من عبَّر عن مشاعر الدعم والثقة، وأكد لنا بان ما قمنا به طوال سنوات التحدي المنصرمة كان بمرأى ومسمعٍ واحترام وثقة.

أقرأ أيضا