قرأت تعليقا مسيئا في احدى صفحات الفيسبوك لأحد الأصدقاء، حول الأنباء التي روجت لوقوع تحرش جماعي في واحة مول بغداد (الحارثية) باحتفالات ليلة رأس السنة الميلادية 2018، جاء نص التعليق: “للأسف صار من الصعب على الشاب أن ينتقي بنت للزواج، لان أغلب البنات صارت وجهتهم للمولات اللي استهدفت الشرف والعفة والمستحى، وساهمت في اسقاط التربية، هذا اذا كانت عدهم تربية بالأساس”!.
لم يعتد هذا الصديق اطلاقاٌ على النشر عبر صفحته الافتراضية أو يناقش الظواهر الاجتماعية أو ينتقد سلبيات الوضع العام في البلاد، وانما اراد على ما يبدو من تعليقه أن يظهر حرصه العالي في الدفاع عن شرف المرأة عبر محاربة فسحة الحرية البسيطة التي تتمتع بها اليوم، والتي يراها خزياً وعارا ومثلبة كبرى على مجتمعنا، ومحاولة لكسر هيمنته الكهنوتية الراسخة منذ قرون!.
الغريب في الأمر أن تعليقه لاقى إعجاب المئات من أصدقائه الافتراضيين، ما دفع البعض منهم الى كتابة ردود تؤيد ما كتبه, فعلى سبيل المثال قرأت جمل (أحسنت وعاشت أيدك يا بطل وصدقت ورب الكعبة.. والى اخرها)، فيما كان معلقون اخرون يشددون على ضرورة الحد من ظاهرة ذهاب النساء الى المولات ومراكز التجميل والتسوق ويطالبون الخيرين والمصلحين ورجال الاعلام والدين ان ياخذوا دورهم في توعية المجتمع من هذه الظاهرة التي باتت برأيهم لا تختلف بشي عن النوادي الليلة في شارع السعدون وأبي نؤاس وغيرها!.
بعد مشاهدة جميع التعليقات، أحسست بألم وأنا أقرأ هذا الكم الهائل من المصطلحات الهابطة المقرفة بحق العراقيات، ناهيك عن المس بشرف وعرض مرتادي المولات عبر التعليق على صور تحرش تداولها اثناء التعليقات تشير الى انها حصلت في مول الحارثية.
هنا اسأل صاحب التعليق واصدقاءه، لماذا هذا الكم الهائل من الحقد الدفين على المراة؟ لماذا تستهدفون النساء اللواتي يتمتعن بحقهن في (التسوق والسياقة والدراسة) بوحشية لا مثيل لها؟ لماذا ترون هذا الامر انتقاصا؟ وتبررون التحرش بدلا من ايجاد رادع قانوني بعد تدني الرادع الاخلاقي!
اي حياة هذه التي ترى شرف وعفة المرأة تكمن بتقيدها في بيت أهلها او زوجها وبان المراة باتت وظيفتها عند اغلبية الرجال لا تتعدى اكثر من كونها جليسة منزل وماكنة لانتاج الاطفال!.
ان المواقف والاراء المخجلة عن حفلة مول بغداد، تؤكد بان هنالك شريحة كبيرة من خصوم المرأة يتربصون بها لأية فرحة عامة تريد ان تعيشها بابسط تفاصيلها، وان الاخطر من كل شيء وما لا يعلمه هؤلاء أن يكون ما كتبوه تحريضا على القتل، وتشجيعا على التطرف والارهاب، لانه سيؤدي لاستهداف هذه المولات من تحت ذريعة اشاعة الفسوق والفجور!.
أخيرا.. يجدر بي الاشارة الى أن الزميل صاحب التعليق على الفيسبوك حاول أكثر من مرة الارتباط بعلاقة غير شريفة مع زميلة لي وهي انسانة عفيفة ومؤدبة، ولما رأى منها صدودا، حاول تليين موقفها عبر خطبتها رسميا بداعي الصدق والاخلاص في غايته، وبعد مرور شهرين تقريباً قرر فسخ الخطبة بعدما اقام شكل العلاقة التي كان يرغب بها، وقد اعترف هو بذلك حين عاتبه بعض الزملاء فقال انه قام برد الاعتبار لنفسه بسبب كثرة صدودها، ورفضها المتكرر، ما جعله محط احتقار الكثير من اصدقائه.