كتب الاستاذ الصحفي كرم نعمة مقالا بعنوان “من قال أموري غاب عن أرواحنا؟” ولأهمية ما ورد في المقال وقبلها بأسابيع مقال آخر عن المطربة رحمة رياض، أود أن أبدي بعض الملاحظات عما ورد في المقالين.
أنصف مقال الأستاذ كرم الراحل الكبير أستاذنا محمد جواد أموري، فهو أحد المقاتلين وأحد فرسان اللحنية العراقية التي كان ينثر من خلال ألحانه كلها عطرا عنبر المشخاب بكل ما يعني الوصف. وكما أسمّي الملحن الخارق رياض السنباطي بأنه حامي هدف الموسيقى والغناء العربي، حيث لحن كامل أعماله الخالدة بروح عربية مصرية بحتة، فلا يقلّ عنه شأن الراحل أموري من حيث دفاعه المستميت عن الخصوصية العراقية البحتة.
أما وجهة نظري بما يخص ابنه الفنان الشاب المثابر نؤاس أموري، حيث ركز عليه مقال الأستاذ كرم، فقد شاهدت له فيديو من داخل الأستوديو الخاص به حيث كان يغني بطريقة وأسلوب والده بحداثة الشباب كي يتواصل مع أبناء جيله. أما ما يتعلق بالآلات الغربية أو الموسيقى الرقمية كما عناها المقال المذكور، فهي لا تفسد متعه النشوة السمعية لأعمال أموري أو أبناء جيله والمشكلة تكمن بمهارة العازف وليس نوع الآلة الغربية، فإذا كان العازف متمكناً من لوي ذراع الآلة الرقمية فهذا سيكون في صالح روح اللحن العراقي أو العربي كما سمعناه في أعمال أم كلثوم وفريد وعبدالحليم وحتى ألحان طالب القره غولي وكوكب حمزة وفاروق هلال وجعفر الخفاف عندما استخدموا “صولوات” من خلال آلات الأورغ أو الكيتار في أعمال كثيرة.
نفس النتيجة تعطيها المقطوعة الموسيقية إذا كانت عن طريق آلة غربية أو عن طريق المكتبات الموسيقية الرقمية الجاهزة. سابقاً كان العازف على آلة غربية والآن الموزع أحيانا يوزع الأغنية وموسيقاها من خلال مكتبات رقمية فيها أصوات لجميع الآلات العالمية وفيها جمل موسيقية معزوفة وجاهزة. وهنا أيضاً يتعلق الأمر بمستوى التوزيع وقناعتنا به من خلال قوة وشطارة الموزع من خلال تعامله الذكي مع هذه المكتبات الموسيقية.
وفي المقال السابق للأستاذ كرم نعمة عن رحمة رياض، كان تناولاً جميلاً ورائعاً كعادة مقالاته الموسيقية بطرح مواضيع يختارها بصياغة ماسية. لكنه قسا نوعاً ما على رحمة رياض.
فالمقال اختارها كي يتحدث عنها، لكن الأستاذ كرم فضل أن يتحدث عن والدها رياض أحمد أكثر وبعظمة يستحقها بالتأكيد. أما مسألة أبعاد ومساحات الصوت إن كان “باص” أو “ألتو” أو “سوبرانو” أو أعلى بكثير، لا يعنينا نحن العرب بشيء بقدر ما يعنينا ويدخل قلوبنا ومزاجنا روح وحس الأداء كوننا نتذوق الكلمة ونص الأغنية كشعر ونوع خامة صوت المغني قبل اللحن والتوزيع والإخراج الموسيقي (هذا الأمر لا ينطبق عليّ لأنني موسيقي ويهمني الشعر واللحن والأداء والتوزيع وكل تفاصيل بناء الأغنية). والأمثلة كثيرة على ذلك ولنأخذ صوت عبدالحليم
حافظ الذي يغني بطريقه لا يملكها غيره في كمية الإحساس والأداء الحسي والتعبيري لكنه ليس لديه جواب عال بصوته. وكذلك ناظم الغزالي قياسا بمحمد القبنجي. وأيضا الصوت العذب وبأداء فطري غاية في الجمال والسحر داخل حسن، وهناك الكثير من الأمثلة.
أنا مع أداء رحمة رياض ومع اختيار نصوص أغانيها وكذلك الألحان. وعندما أدت أعمال والدها غنتها بطريقة ذكية جدا حيث ألبستها رداء الحداثة من خلال أسلوب التوزيع الموسيقي الذي كان سبب وصول كل أعمالها للعربية والعراقية على حد سواء ومما ساعدها على هذا الانتشار، بالتأكيد، وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تتوفر وقت والدها “رحمه الله” الذي كان صوته غارقاً لأذنيه بمحليته، وهذا ليس انتقاصاً من صوته، لا أبداً، لأنه صوت مقتدر جدا لكنها مصادفة غريبة لو قارنا بين صوته وصوت سعدون جابر مثلا الذي وصل بأغانيه إلى مغرب الوطن العربي ومشرقه. وأيضاً ناظم الغزالي قياسا بمحمد القبنجي لكونهم اختاروا أسهل الطرق ليدخلوا من خلالها الأذن العربية على العكس من رياض.
في النهاية رأيي هذا ليس نقداً لما كتبه الأستاذ العزيز كرم نعمة عن محمد جواد أموري ورحمة رياض، بل هو وجه نظري كمحب له ولمقالاته الباحثة دائماً عن مكامن الجمال الموسيقي.