صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

عواصف كردستان

الاخبار التي تناقلتها وسائل اعلام تابعة للاتّحاد الوطني الكردستاني بخصوص قيام الحزب الديمقراطي بمنع الموظفين التابعين إلى الاتّـحاد من دخول مبنى ديوان رئاسة الاقليم، وذلك على هامش ازمة انتخاب رئيس الجمهورية، هذه الاخبار تم تكذيبها من قبل ديوان الرئاسة نفسه. ومع ذلك اصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني بياناً اعتبر فيه أن انتخاب د. برهم ”لا يمثّل شعب كردستان ولا استحقاقاته“. الأمر الذي يؤكد أن الازمة بين الحزبين تتفاقم بسرعة، وان انعكاساتها ستكون شديدة على الاقليم وعلى عموم العراق.

النتائج الأولية للانتخابات تُرسِّخ هذا التفاقم وتساعد عليه. فقد اكَّدت تفوق الديمقراطي، هذا التفوق الذي شكَّك به حزب الاتحاد بقوَّة، ونوّه إلى أن السلطة في الاقليم التي يسيطر عليها الديمقراطي تلاعبت بالنتائج بما اضعف حظوظه. هذا من جهة، ومن جهة أهم، اكد الديمقراطي وبالاستناد إلى هذه النتائج تمكنه من تحقيق الاغلبية البرلمانية من دون الحاجة إلى الاتحاد، ولوَّح بالتالي إلى امكانية تشكيل حكومة الاقليم بمعزل عنه، الامر الذي يعتبره مثقفون وسياسيون كورد إيذاناً بالعودة إلى خيار الإدارتين بانفصال السليمانية عن اربيل. وجدير بالذكر أن السليمانية هي معقل الاتحاد وهو يسيطر عليها بشكل كامل تقريباً ويمتلك فيها بيشمرگة تابعة له وجهاز اداري متكامل وقادر على ادارة شؤون اقليم منفصل عن اربيل. وبمثل هذه الامكانيات نعرف صعوبة استبعاده من الحكومة وما يمكن ان يؤدي اليه هذا الاستبعاد في حال اصرَّ عليه الحزب الديمقراطي المعروف بتشنجه وذهابه بالازمات الى حدودها الأبعد.

المثير للقلق والاستغراب في هذا الاطار هو تجاهل بغداد لما يجري في اربيل وعدم اكتراثها لضرورة الحفاظ على توازن القوى هناك. وكأن الامر يحدث في قارَّة أخرى أو كأنها لم تقلب الدنيا على الاقليم بسبب الاستفتاء! أم أن الذي قلب الدنيا هم الفاعلون الدوليون والدول المجاورة فقط؟! ولم يكن لبغداد غير الدور التنفيذي، أو دور الكومبارس؟ ولذلك هي غير مدركة لخطورة الوضع في كردستان وما يمكن ان يفضي اليه، وبحاجة لمن يُخرجها من غفلتها!!

من ناحية أخرى، حسنا فعلت بغداد ـ أو ربما طهران ـ عندما اصرَّت على تولي برهم صالح رئاسة الجمهورية، ومع غض النظر عن موقف برهم الداعم للاستفتاء، والذي قد يكون براغماتياً انتخابيّاً، فان موقف الاتحاد أو موقف الجيل الجديد من قادة الاتحاد، ابناء مام جلال تحديداً، من الاستفتاء وانقاذهم العراق من الوقوع في الاقتتال الداخلي على كركوك عن طريق سحبهم قوات البيشمرگة في اللحظات الاخيرة الحرجة، هذا الموقف يؤكد براغماتية ومرونة عاليين يتمتع بهما هذا الحزب على خلاف الحزب الديمقراطي. ما يعني ان التفريط برئاسته للجمهورية وتسليمها للديمقراطي المتشنج دائماً، سيكون فعلاً ارعناً بامتياز.

لكن هذه العملية ازعجت الديمقراطي، الذي يبدو أنه استوعب درس الاستفتاء، وعرف بأن تحقيق حلم الانفصال، الذي يحرص مسعود بارزاني على تحقيقه خلال حياته كمنجز قومي تاريخي، يجب ان يمر عبر بغداد وبعد تحقيق الارضية المناسبة له فيها. وهو الامر الذي تنبهت له إيران وقاطعته بقوة، إيران التي ستسعى جاهدة إلى تحجيم الديمقراطي في اربيل عبر المزيد من الدعم للاتحاد. وعبر المزيد من التدخل في شؤون كردستان، وهذا يعني ان عهد الاستقرار والرفاه الكردي على اعتاب نهايته بسبب تهور القادة وتسرعهم واستبدادهم.

في النهاية أعود إلى السؤال الجوهري الذي طرحته آنفاً: أين موقف بغداد مما يجري في الاقليم؟ بل اين موقف النخبة الاعلامية والسياسية مما يجري هناك؟

أقرأ أيضا