صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

عودة الحسين الى البصرة

يقال أن عاشوراء تبدأ من البصرة، لأن المسافة أطول لكربلاء من البصرة، لكن هذه المرة لعاشوراء طعم مختلف، وذلك حينما تتوحد عاشوراء الذكرى بمظاهرات الشباب المطالب بحقوقه لتصبح مشروعية المطالب والشكوى من الظلم تحت سقف مشروعية ومظلومية الإمام الحسين، وكأنه يعود من جديد بعد أن سرقته أحزاب السلطة.

بعد سقوط النظام السابق، كأن الإمام الحسين اندمج أو ذاب في السلطة، وأقصد بالإمام الحسين الرمز، والقضية، والفكرة، والشعائر، وكل ما يدور حول الإمام الحسين. وأقصد بالسلطة، ليست سلطة المال، ولا المعرفة، ولا سلطة الجاه، بل السلطة السياسية المؤسساتية، لقد تحول الخوف من اقامة مجالس للإمام الحسين في عهد النظام السابق إلى فخر واعتزاز، وتفاخر من قبل الأحزاب السياسية، الخطباء المحسوبين على الدولة أو المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، مجالس الشخصيات السياسية وأصحاب النفوذ والجاه، طبيخ أصحاب المولات، والمقاولات، والشركات الوهمية منها وجديدة العهد في عالم المال والاقتصاد. وعلى طول الطريق من بغداد إلى كربلاء، ومن البصرة لكربلاء، تسمع اللطميات وتشم رائحة اشهى الطعام، وتأكل من الكباب والسمك مع استراحات وعناية فائقة لكل ما تحتاج من سبل الراحة، كل ذلك تحت يافطة المواكب الحسينية يقيمها الناس من المتبرعين لكن لا تخلو من اصحاب المال والنفوذ من شيوخ العشائر ورجال الأعمال والسايسيين والأحزاب وبعض الشيوخ والسادة المتنفذين.

لقد نشأت طبقة جديدة على هذه الشعائر والطقوس، مؤسسات رسمية وغير رسمية، ومجموعات من الرواديد والشعراء وأصحاب المواكب، واستوديوهات التسجيل وإذاعات تبث ليل نهار المحاضرات واللطميات والعبر والمواعض وكل مايتعلق بقضية الإمام الحسين. كل ذلك برعاية الدولة وتحت اعينها التي لم تنم عن مراقبة ومحاسبة وربما معاقبة كل من يخرج عن هذا السياق العام لأنه يخل بشعيرة من شعائر الله من جهة، ويخل بنظام وأمن الدولة من جهة ثانية.

حاول اصحاب السلطة دمج الإمام الحسين بالسلطة من خلال ادخاله في المؤسسة العسكرية، الجنود والضباط تلطم في محرم، ترفع رايات كربلاء على عرباتها العسكرية، اقامة مراسيم التخرج في المقامات الدينية وفي ضريح الإمام الحسين، جعل المناسبات الدينية عطل رسمية، وضع صور الإمام الحسين في دوائر الدولة والجامعات. باختصار شديد تحاول السلطة الإختباء خلف الشعائر لمنح حصانة دينية بعيداً عن النقد وأي محاولة للتغير.

في خضم كل ذلك، لم نر الحسين ولا قضيته لأنهما ذابا في كل ذلك أي ذابا في السلطة. وهذا كله بالضد من فكرة الإمام الحسين وهي أن الحسين والسلطة لاينسجمان بأي شكل من الأشكال.

لقد خرج الإمام الحسين ضد السلطة، سلطة الدولة الأموية، ضد سلطة يزيد السياسية ومن معه من سلطة الدين التي تشرع الدولة الأموية، وضد سلطة المال والاقتصاد التي تدعم الدولة الأموية، وضد سلطة تقاليد حكم الدولة الأموية من شعائر وعادات وتقاليد سياسية. لم يخرج الإمام الحسين كشيعي ضد سني، لأنه وببساطة لم يكن هناك سنة وشيعة بل شيعة علي وعثماني الهوى، وهما اتجاهان سياسيان ليس لهما علاقة بمذهب أو طريقة تقام بها العبادات. لم يقل الإمام الحسين خرجت لإسقاط نظام يزيد بل لطلب الإصلاح، وكلمة الإصلاح شاملة بمعناها السياسي والثقافي والاجتماعي. ببساطة شديدة، لقد خرج الإمام الحسين ضد سلطة السياسية والمال والعلاقات المصلحية والجاه وكل المؤسسات التي تدعم فكرة الملك في دولة يزيد.

لماذا لا ينسجم الإمام الحسين مع السلطة؟ والسلطة هنا ليست القدرة على الاجبار، بل هي القدرة على النفوذ الرسوخ في شبكة من العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادي الثابته القائمة على العلاقات الشخصية والمحسوبية بل والشرعية اذا كانت الدولة تدعم ذلك والتي تضمن البقاء في السلطة وتحول دون أي تغيير وتجهض أي احتمال وفكرة تدعو للتغيير. السلطة مع الثبات والرسوخ والتأسيس والمحافظة على الوضع مهما كان، السلطة لا تدخر جهدا في دحر أي محاولة لتخريب شبكة العلاقات تلك لأنها الوحيدة الضامنة لبقاء السلطة واستمرار الإستفادة منها. إذن، لقد خرج الإمام الحسين يدعو للتغيير وليس لبقاء الوضع على ما هو عليه، يدعو للحركة وليس للثبات، يدعو للتبديل وليس للرسوخ، يدعو لتقويض الظلم وليس لاستمراره، يدعو لنسف كل شبكة علاقات تعشعش وتنمو مع السلطة، يدعو لضرب كل مكامن السلطة، لأنها تشأ عن الظلم والاضطهاد. يدعو للتمرد على السلطة. إذن، وببساطة شديدة، الإمام الحسين لا ينسجم مع فمرة السلطة، أي سلطة، وإذا أنسجم مع السلطة فابحث عن خطأ ما.

نعود للبصرة، عندما يخرج المتظاهرون ويرفعون شعارات الإمام الحسين فصدقوها لأنها حقيقية، هي ليست شعارات من منبر يدفع للخطيب مبلغ من المال ليبيكي الحاضرين، ولا موكب صاحب شركة مقاولات باع المقاولة لمرات عديدة بعد أن اخذها من الدولة بمبلغ زهيد كصفقة فساد، ولامجلس عزاء لسياسي يلطم على صدره بهدوء تام ليقدم نموذج مختلف عن البكاء المؤدلج وبالضد من لطم فئة أخرى تلطم بجنون مع الزنجيل والقامة. مظاهرات البصرة تفصل الإمام الحسين عن السلطة، بل هي محاولة لعزل الإمام الحسين عن النفوذ والمتاجرة والظلم. كم هو هائل ذلك الظلم والاضطهاد الذي تمارسة السلطة بإسم وتحت يافطة الإمام الحسين وشعائر الإ٬ام الحسين؟

وهذا ليس غريب، إذ أن الشباب البصري المتظاهر يطرح نموذج جديد للعمل السياسي يتقاطع كليا مع طبيعة العملية السياسية التي تأسست بعد الأحتلال من قوى سياسية كانت معارضة للنظام في الخارج ولها رؤى مختلفة واطروحات تبدلت من الثورة والمعارضة إلي السلطة.حين وصولهم للسلطة جلبوا الإمام الحسين معهم لكنهم لم يعلموا أن الإمام الحسين لاينسجم مع السلطة لذلك غدت الشعائر التي اقاموها بلا معنى فهي مجرد شكليات تتباكى على شخص قتل هو وعائلته في أرض كربلاء بلا قضية. فما معنى إن تخرج على الظلم وانت في السلطة التي تظلم؟ لقد حاولت تلك القوى أدلجة ومأسسة الإمام الحسين لكنه كان عصي على ذلك كما كان عصي على أي سلطة من قبل كالعباسية والصفوية والفاطمية ويخرج الإمام الحسين من ذلك الدنس طاهر مطهر بعيد عن ترهات السياسة.

من منظور آخر، هناك حسينان، واحد في السلطة، وبالتحديد يقبع في المنطقة الخضراء من حسينيات الاحزاب ومجالسهم وخطبائهم وامتدادهم من مواكب تملأ الطرقات وحسين يرفعه المتظاهرون على رؤوسهم يقارعون به السلطة.

الحسين يعود من جديد على أيدي أهل البصرة من المتظاهرين مع فهم وفعل سياسي جديد يؤسس لمرحلة مابعد سياسة 2003.

أقرأ أيضا