صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

غياب النموذج وحضور العدمية

غياب النموذج يؤدي إلى كوارث مريعة وخسائر فادحة على مستوى الأوطان والتاريخ واللغة والبشر!. يظهر لنا جيل في هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا يتنكر لكل ماهو عربي؛ فاللغة العربية بائسة وتاريخنا بائس وأوطاننا بائسة، وما على الدول الكبرى سوى الدخول لتمنحنا ذلك اللبن والعسل الموعود. يغذّي هذا الجيل مجموعة من المرتزقة بدعاوى خبيثة من قبيل “شوفوا مستقبلكم ولا تعيشون بالخرافات “، والحق إن هؤلاء يروجون لأنفسهم، أو بتعبير أدق يرقّعون دونيتهم التي يشعرون بها!. لكن هؤلاء المرتزقة يتركونا بمنتصف الطريق ولا يخبرون هذا الجيل من سبّبَ هذا الخراب.

  لقد شطب هؤلاء بجّرة قلم على ويلات القوميين على سيبل المثال  وفضاعاتهم لينتقلوا “بطفرة” واحدة ليخبرونا إن جميع مآسينا تنبع من الإسلام السياسي!، ثم يصمتون كصمت القبور عن ارتباط الإسلام السياسي بمخابرات الدول الكبرى. لكن الدول الكبرى أكثر كرماً وفصاحة من تلامذتهم ذلك إنهم يصرحون علناً بارتباطهم بهذه الجماعات.

 إن صراع اللصوص على أراضينا وخيراتنا وتعرضنا لهذه اللصوصية العالمية يجري تزويقه بمفاهيم مطاطة وفضفاضة. وعلى فكرة حينما نصل إلى جزئية الهمجية الغربية تجاهنا ينبري المرتزقة للتصحيح ويقولونها بالفم المليان “هذه مصالح دول”. من منّا لا يطمح بدولة قوية ونظام ديمقراطي حقيقي ورفاه اقتصادي وتعليم رصين وحريات مصانة وتنوع بشري، لكن كيف وماهي الآليات ؟ وبصفتي مواطن بسيط أسعى أن أكون شريفاً وأحترم حقائق التاريخ، دائماً ما أسأل نفسي هذا السؤال البريء: من سيتركنا ننظم شؤوننا؟، من سيتركنا أن نستفيد حقاً من المنجز الغربي بلا وصايات؟. أهل مكّة أدرى بشعابها ونعلم مآسينا الداخلية ومقدار التخلّف الذي نعانيه، ولعل هذا الجيل المغلوب على أمره كفر بكينونته الثقافية لغياب هذا النموذج فالناس لا تسلم أمورها إلى فراغ!.

يبدو العراق في (ضمير) بعض العراقيين  عبارة عن “وصمة عار”، ومن غير اللائق والمشرّف التكلم باسم العراق أو استنهاض الروح الوطنية في هذه البقعة المعذبة من الأرض؛ فنحن إمّا نكون إيرانيين غاطسين في الولاء لأنوفنا، أو أمريكيين نسبّح بحمد الديمقراطية الجديدة التي أحرقت الأخضر واليابس بفضل صبيانها الذين يقبعون في الخضراء، أو أصوليين لا يهمنا أمر العراق بقدر ما تهمنا رموزنا الدينية التي باركت لنا واستنهضت هممنا لكي ننتخب هؤلاء.

 ينكسف مزاج أخوتنا المرهف حينما يأتي الكلام الجارح على الولايات المتحدة لأنها عتقتنا من صدام، صدام الصبي المدلل للولايات المتحدة والجندي الباسل الذي أجهض لها كل مخططات “الأعداء “. بعد هذه المقدمة المكرورة والمملة نسأل: ما هو سبب دمار العراق؟ سيكون الجواب جاهزاً ومسلفناً، إنه الدين!؛ الدين سبّبَ لنا حرب الثمان سنوات، والدين أجّجَ لنا حرب الخليج، والدين سبّبَ لنا حصاراً منحطاً ولا أخلاقيا راح ضحيته نصف مليون طفل عراقي، وتعرّض فيه الشعب العراقي إلى أسوء تنكيل، والدين سبّبَ لنا احتلال العراق للقضاء على أسلحة الدمار الشامل و نشر الديمقراطية!.

سيزايد علينا أخوتنا بالقول: انها مجاملة للدين، والجواب: إن كنّا نحترم حقائق التاريخ فلنضع كل أسباب الخراب على طاولة واحدة ومن ثم سيكون للدين بمسحته الأيدلوجية  الحزبية حصة في هذا الخراب، ذلك إن التركيز على جانب واحد دون الجوانب الأخرى يحيلنا إلى صبيان نزقين نتقنّع بقناع الموضوعية.

أقرأ أيضا