لا توجد تنمية اقتصادية مجتمعية حقيقة في بلد خارج من حرب أهلية مدمرة وسقوط نظام إذا لم يتوفر الأمن والأمان للمواطن.
توطئة لحدث قائم وقادم:
لا أحد يستطيع أن يقنع الرأي العام الإن بأنه لا توجد حاليا قوات خاصة كوماندوس إسرائيلية أو أمريكية أو بريطانية قد دخلت قبل أسابيع أو حتى قبل أيام من سقوط العاصمة دمشق وهروب الرئيس “بشار الأسد” وهدفها ومهمتها السرية كانت بالدرجة الأساس لغرض تأمين جميع مخازن ومستودعات وأماكن السرية والعلنية للأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والصواريخ والقذائف والأجهزة الفنية والتقنية والمختبرات، وذلك في سبيل عدم وقوعها في الأيدي الجماعات والفصائل الإسلامية المتطرفة واستخدامها بعد ذلك بسوء نية مسبقة لغرض خلق نوع من الفوضى في الداخل، وكما حدث من سيناريو قبل سقوط بغداد 2003 ونشرته بعد أشهر الصحافة الغربية تتحدث عن بعض تفاصيل دخول القوات الخاصة للبحث عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة، الذي تبين بعد ذلك كذب هذا الادعاء. وشنت على أثر هذا الادعاء الكاذب قوات التحالف الدولية وبرعاية أمريكية الحرب على العراق.
كان من الفروض والمطلوب وبدرجة متسارعة غير منتظرة، بأن تتصل فورآ قيادات فصائل “غرفة العمليات العسكرية المشتركة” أو حتى بواسطة وسائل الإعلام بإصدار بيان تطالب فيه “الأمم المتحدة” و”الهيئة الدولية للطاقة الذرية “وحتى قوات التحالف المتواجدة داخل الأراضي السورية الإن وبسرعة، إرسال لجان تفتيش خاصة لغرض الكشف وتحديد المواقع ومخازن ومستودعات ومختبرات الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية لتكون تحت أشرافها المباشر، وكذلك بالطلب منهم لإرسال رسائل عاجلة واتصالات عن طريق طرف ثالث للحكومة الإسرائيلية من التوقف من استخدام الطيران الحربي لقصفها وبالأخص الأبنية والمختبرات العلمية لأنه يمكن الاستفادة من هذه الأبنية والمختبرات العلمية في المجال الطبي الإنساني والاستفادة منها في مختلف الصناعات الدوائية، ومما سيكلف بالنتيجة مبالغ مالية طائلة لإعادة البناء، وهم بأمس الحاجة لأي مبلغ مالي متوفر لغرض صرفه بوجهته الصحيحة والمتمثلة بإعادة الإعمار، ولكن مع الأسف عدم الخبرة لقادة المعارضة وافتقارهم إلى إيجاد الحلول السريعة تَفَادَى منهم لهذه المواضيع، حيث ما يزال الطيران الحربي الإسرائيلي لغاية هذا اليوم يواصل قصفه المستمر لجميع مقرات النظم والسيطرة ومعسكرات وأبنية الجيش والمخابرات والاستخبارات، حتى وصولآ إلى تكير الموانئ على الساحل السوري، وحسب بيانات القيادة العسكرية الإسرائيلية :” فإنها تنفذ حاليآ أكبر عملية قصف جوية في تاريخها، ووصول التوغل البري لنحو 25 كيلو متر إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق واحتلال كامل لأراضي منطقة جبل الشيخ المحاذية لهضبة الجولان”.
وكأننا نشاهد سيناريو مشابه أو يكاد يكون طبق الأصل عما حدث للعراق خلال القصف الجوي للتحالف الدَّوْليّ في حرب 1991 وكذلك خلال الغزو والاحتلال وسقوط العاصمة بغداد 2003 والذي بدوره سوف يخلق بالتالي بعد هذا التدمير الشامل لمقدرات الجيش السوري بمختلف صنوفه البرية والجوية والبحرية إلى إعادة التسليح من الصفر، ومما سوف يستنزف من الميزانية السورية أموال طائلة هم بأمس الحاجة إليها الإن لإعادة الإعمار والبناء والتنمية، وإنشاء لجان برلمانية أو لجان مشتريات خاصة لإعادة التسليح والتجهيز، التي بدورها قد تكون منفذ للفساد المالي والإداري(1) هذه الأموال يجب أن تصرف على تأهيل وإعادة الشبكات الكهربائية المتهالكة التي هي الآن من أهم الضروريات الملحة لإعادة شريان الحياة إلى مجراها الطبيعي وتشغيل المعامل والمصانع الإنتاجية للمساهمة بالتنمية، إضافة إلى تشغيل محطات النفط والغاز ومصافي المشتقات النفطية.
إن التحدي الرئيسي أمام الحكومة السورية الجديدة، أو حتى السلطة الانتقالية سيكون في توفير الأمن والأمان للمواطنين السوريين. وهذا يتطلب إيجاد طريقة فعالة ومدروسة للتعامل مع سلاح وعتاد الفصائل المسلحة المختلفة المنتشرة في أنحاء البلاد حاليا، فهناك عدد كبير من هذه الفصائل التي تحتاج إلى معالجة دقيقة وشاملة، في أيجاد الكيفية والطريقة للتعامل مع هذه الأسلحة التي قد تعتمد بالدرجة الأساس على عوامل متشعبة ومتعددة منها السياسية والعسكرية والاقتصادية. ونظراً لتجربة العراق في التعامل مع السلاح المنفلت للفصائل والأحزاب المعارضة التي تم دمجها في وزارة الدفاع والداخلية وبقية الأجهزة الأمنية، يمكن أن تستفيد الحكومة الانتقالية السورية من هذه التجربة. ولكن ينبغي تجنب الأخطاء التي حدثت في العراق، مثل حل الجيش والأجهزة الأمنية، وإعادة بناء جيش قائم على الطائفية والمحسوبية ولذا من الضروري جدآ أن تبقى مراتب وضباط الجيش السوري ومختلف الأجهزة الأمنية، بحيث أن هؤلاء بدورهم لم يكن جميعهم مجرمين أو أدوات للسلطة والتعذيب. بل كان بينهم من يمتلك السمعة الحسنة والكفاءة والنزاهة ولذا يتحتم على القائمين على هذا الموضوع بالتحديد أن يتم فرز هؤلاء الضباط والمراتب وفقاً لمعايير مهنية وشفافة ونزيهة، وتتم فقط محاكمة المتورطين في الجرائم ضد الشعب السوري ومن خلال القضاء العادل الكفوء، وليس عبر عمليات انتقامية أو اجتثاث كما حدث في العراق وكانت نتيجته ردة فعل من هؤلاء المجتثين الذين لم يتورطوا بالدم العراقي من أن تتجه أنظارهم إلى الجماعات والفصائل الإسلامية المسلحة التي استفادة من خبراتهم العسكرية الميدانية كثيرا.
ويمكن أن نلخصها بالنقاط التالية: ـ
1- نزع السلاح أو دمج الفصائل في الجيش الوطني الجديد عدّ من أهم الخيارات المتاحة ومن خلال دمج مقاتلي الفصائل المعارضة في القوات المسلحة الوطنية والشرطة والأجهزة الأمنية، وهذا الدمج يجب أن يتم فقط بعد ضمان الأمن والمساواة بين جميع فئات الشعب، ويمكن أن يشمل دمج الجنود والضباط السابقين في الجيش، للاستفادة من خبراتهم الميدانية للمساعدة في التدريب والتأهيل وفق أسس علمية وكفاءة باستخدام السلاح.
2- العمل الجاد الرصين في تشكيل وحدات وأجهزة أمنية خاصة وذلك لحماية الجبهة الداخلية والخارجية من عمليات التخريب والتفجيرات التي قد تنفذها فصائل متطرفة، ويجب أن تكون هذه الوحدات تحت إشراف الحكومة الانتقالية أو السلطات المدنية، وليس تحت إشراف أي فصيل معارض.
3- جميع أنظار العالم الغربي تتجه اليوم إلى سوريا وفجرها الجديدة، وينتظرون أفعال على أرض الواقع تكون ملموسة وحسية وليس فقط مجرد أقوال وكلام لا يطبق، ومن خلال ضرورة سرعة إيجاد الإلية المناسبة والفعالة في نفس الوقت لسرعة نزع سلاح جميع الفصائل التي كان لها الدور أو التي اشتركت بصورة أو بأخرى في إسقاط النظام السابق وضمن عملية سلام حقيقية، حتى الذي قد يرفض من قادة هذه الفصائل بتسليم سلاحه للشرعية الحكومية يمكن أن يقدم لهم حوافز اقتصادية وشراء هذه الأسلحة وعدم الوصول إلى صدام مسلح معهم، لأن السوريين اليوم في غنى عن أي صدام مسلح قد يحدث بين بعض الفصائل المعارضة والحكومة الانتقالية انطلاقًا من عقلية تقسيم كعكة الحكم والمناصب والامتيازات، أو في الأقل في أسوأ الحالات، ولمنع الصدام المسلح تعزيز مبدأ اللامركزية في الوقت الحاضر لحين إعادة بناء القوات الجيش والأمن، وإعطاء هذه الفصائل التي كانت توجد وتسيطر في مناطقها الجغرافية السابقة، نوع من الاستقلالية الإدارية والسياسية والاقتصادية للمساعدة على إدارة وحفظ الأمن وتحت إشراف ومساعدة من الحكومة المركزية إذا اقتضت الحاجة لها، وفي المستقبل يمكن لهم نزع سلاحهم تدريجيا وبدون أي مشكلات وصدامات مسلحة.
4- مراقبة الحدود الدولية من التهديدات الأمنية الخارجية، يجب أن تكون حاليا من سلم أولويات الحكومة الانتقالية لغرض حفظ الأمن الداخلي، وكذلك لمنع تدفق الأسلحة والعتاد الحربي من بعض دول الجوار إلى فصائل متطرفة مثل تنظيم “داعش” الذي قد يستغل الفوضى حاليا لإعادة ترسيم وتنسيق وعودة مقاتليه وقياداته مرة أخرى ومن خلال تسهيل وصولهم إلى مناطق البادية السورية وبعض المدن والبلدات التي كانت سابقا حاضنة له ونواة لتشكيل هذا التنظيم الإرهابي، ولذا عليهم الحيطة والحذر من هذا الجانب، حتى الطلب بالمساعدة من قبل القوات الدولية المتواجدة حاليا داخل الأراضي السورية، ومن خلال إنشاء مكاتب وهيئات من أعضاء الحكومة الانتقالية لغرض التباحث والتنسيق والمناقشات والمتابعة الميدانية للسيطرة على ما قد يحدث من قبل هذه التنظيمات الإرهابية في الداخل السوري والأهم العمل على متابعة ورصد الخلايا المسلحة النائمة المرتبطة بأجندة خارجية وتفكيكها حتى الطلب من قوات التحالف لتقديم المساعدة والمشورة.
5- في المدّة الحالية الانتقالية سيكون مختلف أنواع ومعدات وذخيرة السلاح الثقيل الحربي من دبابات ومدافع وراجمات صواريخ وطائرات مروحية وحربية وغيرها، ومن خلال وقوعه أو الاستيلاء عليه بصورة أو بأخرى من قبل بعض الجماعات والفصائل المسلحة، ولذا قد يكون إشراك القُوَى الدولية الإقليمية وبرعاية من قبل الأمم المتحدة هو الحل الأمثل في الترتيب لإعادة والاستفادة من هذه المُعَدَّات مرة أخرى لبناء جيش جديد والعمل على حصرها في أماكنها الطبيعية المعتادة في معسكرات الجيش وحراستها من العبث بها من قبل الأيدي الخطأ.
6- أحدى أهم المشاكل ستنتج حاليا وتواجه الحكومة الانتقالية في كيفية إيجاد طريقة لنزع وضبط الأسلحة الشخصية الخفيفة والمتوسط والمنتشرة حاليآ وبكثرة، وسابقة غير معهودة كانت لدى المجتمع السوري، وتتمثل بمختلف أنواع البنادق الآلية الخفيفة، والرشاشات المتوسطة حتى الثقيلة منها، بالإضافة إلى مختلف وأنواع القذائف المضادة للدبابات التي تم الاستيلاء عليها من قبل مقاتلين فصائل المعارضة حتى من قبل جموع الناس من داخل المعسكرات المنتشرة بين المدن والمحافظات بعد إن تركها جيش النظام السابق وكأننا نشاهد مرة أخرى سيناريو طبق الأصل عن ما حدث بعد سقوط بغداد 2003، لذا ستكون الحكومة الانتقالية مطالبة من قبل المجتمع الدَّوْليّ للحفاظ على السلم الأهلي الداخلي بسرعة الدعوة بواسطة وسائل الإعلام وإشراك رجال الدين انطلاقًا من خطب في الجوامع والشخصيات الأكاديمية والصحفية المؤثرة إلى المساعدة في أفهام جمهور المواطنين من خطورة بقاء هذه الأسلحة في أيديهم وتسليمها إلى الأجهزة الأمنية الشرعية بواسطة مراكز الشرطة أو حتى الاحتفاظ بالسلاح الخفيف من مسدس أو رشاشة واحدة مع أخذ جميع المعلومات الأمنية من الشخص الذي يريد إن يحتفظ واستخراج هوية رسمية مع تضمينها عدد الإطلاقات التي يحتفظ بها وجميع معلومات عن السلاح وحفظها في داخل سجلات رسمية.
وأخيرا وليس أخرا أن التعامل مع سلاح جميع فصائل المعارضة بعد سقوط النظام سيكون معقدًا بعض الشيء ويحتاج إلى مساعدة وتكاتف جميع فئات المجتمع بغرض إيجاد صيغ وآلية لغرض نزع السلاح بصورة طبيعية ومقبولة ومفهومة لدى المواطن، وليس بإجراءات انتقامية غير مدروسة، ولكيلا تنعكس الحالة على شعور المواطن بالخوف من المستقبل ولغرض تحقيق مصالحة وطنية حقيقة وشعوره بالأمن والأمان وبذلك سيكون لديه القدرة على التفهم، حتى المساعدة بدوره على أفهام الأخريين الذي بدورهم قد يكونون لديهم شكوك حاليآ في عدم تسليم سلاحهم إلى الأجهزة الرسمية الحكومية لأن هذا سوف يحقق بالمستقبل القريب والبعيد شعور بالطمأنينة والأمان وبأن لا يوجد سلاح خارج الشرعية الرسمية الحكومية. أن نجاح هذه العملية يعتمد بالدرجة الأساس على وجود إرادة سياسية قوية لدى السلطة الانتقالية، وكذلك إلى التنسيق لغرض الحصول على الدعم والمساندة الدولية، واستقرار للتنمية الاقتصادية، وخلق الفرص والحلول المستدامة لتضمن بناء فجر سوريا جديدة بعيدًا عن العنف والفوضى والسلاح المنفلت والصدامات المسلحة التي قد تنتج بين فصائل المعارضة مستقبلا، وهذا ما لا يريده الجميع وبالأخص المجتمع الدولي التي يرى الآن ويشاهد ما يجري في الداخل السوري. حاولنا قدر الإمكان أن نقلي الضوء على هذا الحدث القادم نظرآ لخبرتنا السابقة، ومعاناة الحكومات العراقية من فوضى السلاح المنفلت التي ما يزال يعانيها كذلك المواطن العراقي، ونترك الباقي لأصحاب الخبرة والاختصاص للتوسع أكثر في هذا الموضوع، عسى ولعلى أن تصل هذا المخاوف والتحديات لأصحاب الرأي والشأن. والاهم والمهم كذلك تجنب التجربة الليبية المريرة بعد سقوط ومقتل الرئيس الراحل معمر القذافي ووجود حكومتين في طرابلس وبنغازي.
sabahalbaghdadi@gmail.com
(1) قبل حوالي عقدين من الزمن كانت لنا تحقيقات صحفية استقصائية معززة بالوثائق والمستندات الرسمية حول عقود المناقصات والتجهيزات لغرض إعادة تسليح الجيش العراقي والأجهزة الأمنية، وما تخلل هذه العقود من عمليات سرقة ممنهجة ومنسقة لأموالها، واستيراد أسلحة وطائرات وعتاد ومعدات عسكرية تالفة وغير صالحة لاستخدام وحتى مع وجود جهات رقابية وبرلمانية وعلى رأسها “هيئة النزاهة الاتحادية” فقد تم اختلاس معظم الأموال.. وعلينا أن نتمنى أن لا يصيب وباء الفساد المالي والإداري ما قد يحدث مستقبلآ من خلال إعادة تسليح وتجهيز الجيش السوري الجديد.. ولو لدينا حتمية شك في هذا الموضوع بالتحديد … إلا إذا كانت هناك إرادة حقيقية للمسؤولين السوريين بالكفاءة والنزاهة ونتمنى لهم هذا !؟.