صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

في ضمانات ترامب لنتنياهو يكمن السر

تأتي زوبعة ترامب حول غزة في مسعى تكاملي منه، للحفاظ على تماسك حكومة نتنياهو أثناء سيرها في مراحل الصفقة من جهة، وابتزاز حماس والوسطاء العرب وخفض شروط السعودية للمضي بمشروع تطبيعها مع اسرائيل من جهة أخرى.

صحيح أن حكومة نتنياهو قد فشلت وعلى مدى خمسة عشر شهرا من حرب الابادة القاسية والوحشية على غزة، في تحقيق جل اهدافها المعلنة وغير المعلنة بسبب الصمود الأسطوري للشعب الغزي وبسالة المقاومة فيها، وصحيح ايضا انها قد تعرضت لأكبر هزة مركبة في تاريخ دولتها المصطنعة، إثر عملية طوفان الاقصى، التي تسببت في ازمة مصداقية عميقة، واستنزاف اقتصادي وعسكري وبشري وأخلاقي غير مسبوق لداخل مجتمع الكيان، وفي نظرة الخارج له، لكنها نجحت في التأقلم مع تبعاتها من خلال كسر قاعدة الحروب الخاطفة، وأولوية استعادة الأسرى، فقد تكيفت مع الحالة بفعل الدعم الشامل من راعيها الغربي عموما والامريكي خصوصا ما جعلها قادرة على خوض حرب طويلة متعددة الجبهات أدغمت بها كل المقدرات الأمريكية، فكانت حرب عقابية على كل المساندين لغزة عسكريا ولوجستيا، من ايران الى حزب الله والحوثيين الى الفصائل العراقية، وكلما تشعبت المواجهة كلما استحضر الرعاة، وهي لم تتعاط تقليديا مع أسراها على كثرتهم، وتحملت ضغوط الحالة بتشدد يميني برغماتي يخلط أوراق التصهين الديني بالتوسع الاستيطاني المحتكر لدور الضحية وإلى الأبد، وكأن هلوسات الهولوكوست، فزاعة النجدة الغربية، لا تستحضر إلا لتعويض اسرائيل، لتنتقم من ضحيتها الجاهزة، شعب فلسطين. 

عقدة غزة

تحولت غزة الى عقدة العقد في منشار المشروع الصهيوامريكي للشرق الاوسط الجديد بزعامة اسرائيل كما يخططون ويرسمون في خرائطهم، وجولة حرب الابادة والتدمير عليها خلال خمسة عشرشهرا بلغت درجة لا يمكن مواصلتها، وبنفس الطريقة لانها مكلفة واستمرارها يفضح الانظمة الغربية امام شعوبها وكل شعوب العالم، ويحرج التابعين من العرب الذين يباركون ماتفعله اسرائيل بالسر وينكرونه بالعلن، وقد يستحضر الضمائر الغائبة خاصة وان الرعاة لهم اولوياتهم ايضا، والتي يجب ترتيبها الى جانب أولويات اسرائيل. الاهداف المعلنة لادارة بايدن الراحلة لا تناقض اهداف حكومة نتنياهو بالجوهر، القضاء على حماس، واطلاق سراح الرهائن، وادخال المساعدات، ووضع ترتيبات لحكم غزة بالتوافق الامني مع اسرائيل والمطبعين العرب، ولا بأس في سلطة فلسطينية بحكم ذاتي تتفهم الاشتراطات الاسرائيلية.

وكان صمود المقاومة والخسائر الاسرائيلية الجسيمة والاستطالة الاستنزافية المكلفة وتعاظم رفض الرأي العام العالمي للممارسات الاسرائيلية، قد دفع بايدن لاعلان مشروعه لانهاء الحرب على غزة بمراحل ثلاثة تفضي لتحقيق ذات الاهداف من دون التشدد اللفظي الذي يريح اليمين المتطرف، بن غفير وسموتريش، كتحقيق النصر المطلق، وترك الامر سائبا لتفاعل حكومة نتنياهو مع التفاوض وبحسب تقديراتها واعتباراتها العامة والخاصة، وكانت مماطلة نتنياهو تستدعي نوع من التمايز بين الموقفين وهذا ما جرى حيث حملت ادارة بايدن حماس مسؤولية المماطلة بالتناغم مع الادعاءات الكاذبة لنتنياهو، وعندما تأكد فوز ترامب بالرئاسة، وبحكم انتقاده الاذع لسياسة بايدن التي وصفها بالضعف والدافعة للحروب، فقد تعهد بانهاء حرب غزة، وقد طالب نتنياهو بانهاء المهمة اي القضاء على حماس، وعندما شعر بان اسرائيل تتعثر والازمة بحاجة الى الإستثمار في النتائج غير المحسومة لتحقيق الاهداف الاسرائيلية ولو بوسائل ناعمة لم يتردد في الضغط على نتنياهو للذاهب الى الصفقة ذات المراحل الثلاث بحيث يتم استعادة الرهائن والانسحاب ووقف القتال والتوقف عند مرحلة اعادة اعمار غزة الذي سيكون شرطها غير المعلن انهاء حكم حماس مع ضبط الدائرة الامنية عليها، ولا يمكن لحماس تحمل البقاء وغزة عبارة عن ركام متراكم لا يعاد تعميره الا بزوال حكمها، وبالتزامن، سيتم بلورة سلطة فلسطينية تلبس وتبرر ما يفصل للضفة وغزة معا، خاصة وان الوضع الصحي للرئيس عباس ليس على مايرام، وان الاربعة سنوات القادمة لترامب في البيت الابيض هي الضامنة، لاستيطان جديد يغطي 50 بالمئة من الضفة، اماغزة فستكون ورشة عمل منزوعة السلاح، ومزروعة بالاستثمارات السياحية والاستخراجية للثروة الغازية من بحرها، اضافة للزراعة النوعية وانعاش الصيد البحري والثروة والحيوانية التي تنهي البطالة الطافحة، وهي المحفز الاول للتمرد بحسب العقلية الترامبية.

ثقة نتنياهو بالحلول الترامبية غير التقليدية والتي تنسجم مع مشروع التطبيع الابراهيمي الذي يسعى ترامب لإستكماله، وسوابقه في الاعتراف بضم الجولان ونقل السفارة الامريكية للقدس، وجدية توجهه للتشدد مع ايران، اضافة الى ضمانة طاقمه الذي يعتبر، ملكي اكثر من الملك، بما يخص صيانة رغبات اسرائيل والدفاع عن مصالحها التي تعتبر مشمولة بشعار امريكا اولا، كونها وامريكا شيئا واحدا، وهذا ما يطمئن نتنياهو ويصبره على تداعيات اهتزاز موقفه بقبول الصفقة دون مماطلة مستحدثة، مشكلة نتنياهو في قدرة حكومته على الصمود حتى الانتخابات القادمة 2026، فلو تسنى لها الصمود بتكيف تدريجي سيستطيع المراوغة للتملص من الملاحقات القضائية، وذلك لان خيار خرق مراحل الصفقة ومواصلة الحرب على غزة هو الآخر محفوف بمخاطر افلاس الحكومة وعزلتها داخليا وخارجيا لذلك فهو امام خيارات صعبة، تلعب فاعلية الترتيبات المنتظرة لترامب وادارته في تقبله وقف دائم للحرب من دون سقوطه حتى لو تغير تحالفه الحكومي.

أقرأ أيضا