صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

قاعة سينما

هل أحصى أحد منكم الطرق المختلفة التي تتَّبعها عقولنا في عمليات التفكير؟ أنا مثلاً احصيت طرقا ثلاث، وجدت عقلي في أحدها يخوض حواراً داخليا مع شخصية مختلقة عندما يناقش موضوعا ما، وفي طريقة أخرى يتقمص شخصية حقيقية كشخصية اينشتاين أو كانْت أو المعرّي أو الحلّاج عندما يريد أن يناقش افكار أحد هؤلاء. وفي طريقة ثالثة يعيش حالة احلام اليقظة فيكون هناك شخصيات واحداث وسيناريو. هاكم مثلاً هذا الحوار الذي انتبهت إلى أن عقلي كان يخوضه اثناء تأملي بمفهوم (دائرة الوعي المغلقة):

ـ ما هو الإدراك؟

ـ هو ببساطة معالجة يقوم بها المخ للنبضات الكهربائية الواردة من الحواس.

ـ ولماذا تقول نبضات كهربائية: ولا تقول معلومات؟

ـ لان استعمال مفهوم الـ“معلومات“ هنا، سيكون سيّالاً وغير دقيق. فالعين تحوِّل الموجات الكهرومغناطيسية إلى نبضات كهربائية، والاذن تفعل الشيء نفسه بالنسبة للموجات الصوتيّة وهكذا بقيّة الحواس.

ـ تريد ان تقول بان العين لا ترى الضوء؟

ـ لا بل أكثر من ذلك، أريد أن أقول بان الضوء غير موجود، ولا الصوت، ولا حتى الحرارة ولا البرودة، فهذه انطباعات تتولد في المخ ولا وجود لها خارجه.

ـ ليس من السهل تقبُّل هذا الكلام، بل حتى لو قبلت بعدم وجود الضوء، فكيف يمكن أن اتقبَّل عدم وجود الحرارة والبرودة؟

ـ حسنٌ، اتفهم صعوبة الأمر، لكن تذكر أن ادراكنا للحرارة ليس أكثر من الاحساس الذي يتولد نتيجة التعرض لها. فهل يشعر الحديد بالألم عندما ينصهر بسبب الحرارة؟ نحن فقط نتألم او نستلذ بدرجة الحرارة، وما اقصده هو أن هذه المشاعر ليست خارجيَّة بل انطباعات يخلقها المخ ارتباطاً بحجم المنفعة أو الضرر الذي يمكن ان تتسبب به الحرارة لأجسامنا، والغرض منها تحديد السلوك المناسب.

ـ طيب، إذا كان الضوء غير موجود ولا الصوت ولا الحرارة. فهذا يعني أن الالوان والموسيقى والروائح في أحسن احوالها عبارة عن عمليات خداع واوهام عقلية.

ـ للأسف هذا الكلام صحيح.

ـ فماذا تقول عن الطعام مثلاً، هل هو وهم أيضاً؟ ماذا عن هذا الحوار الدائر بيننا الآن؟

ـ لاحظ أنني انكرت وجود الضوء وليس الموجات الكهرومغناطيسيَّة. لكن مع ذلك دعني الفت نظرك إلى موضوع مهم جداً؛ الرأي الذي يقول بان الواقع غير موجود، وهو مجرد انطباعات يُنتجها العقل البشري. هذا الراي هو نتاج عقل بشري. والراي المضاد له، القائل بان الواقع موجود بمعزل عن ادراكنا له، هو الاخر نتاج عقل بشري. فلاحظ هنا أن العقل هو الذي أدرك الواقع واقنعنا بوجوده. وهو الذي شككنا بوجوده يوم أخبرنا بان الادراك ليس اكثر من انطباعات. وهذا يعني ان الآراء بهذا الموضوع، وبكل المواضيع الأخرى، مهما تعارضت أو اتَّفقت، هي آراء يُنتجها العقل البشري وليس اي شيء او جهة أخرى. نحن يا صديقي نجلس داخل قاعة سينما يُعرض فيها فلم واحد بنسخ مختلفة، هذا الفلم من انتاج وتوزيع واداء جهة واحدة فقط.

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لـ”العالم الجديد”.

أقرأ أيضا