ان مكافحة الفساد ليس شعارا يرفعه من يرغب ان يكون رمزا للنزاهة والوطنية محاولا التلاعب بمشاعر الناس لإبعاد شبهات الفساد عنه، سواءً كان شخصا او مؤسسة، بل هي معركة لطرد عدو من وطنك، وهنا تتطلب المعركة معرفة قوة العدو ونقاط ضعفه لوضع خطة للهجوم.
ونقطة الانطلاق هي ان للفساد مفهوم وأسس واصناف واشكال تساهم بتفشيه فيجب بحثها ودراستها ومن ثم تحديد خطوات عمل لمكافحته وفق أسس علمية منهجية وفقا لنموذج إدارة المخاطر المتبع دوليا.
للفساد مفهوم يشير الى انه “استغلال سلطة ممنوحة لتحقيق منفعة خاصة”، هذا مفهوم الفساد بحسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي صادق عليها العراق في آب 2007.
لو نظرنا لهذا المفهوم من جانب القطاع العام سنرى ان الفساد هو “استغلال البعض للقطاع العام لكسب امتيازات ومنافع خاصة” وهذه الفكرة عن الفساد مقبولة بشكل واسع بالتركيز على القطاع العام، وبالتالي من الضروري تحديد مفهوم الموظف في القطاع العام، فمن الممكن ان يكون الموظفون في القطاع العام، منتخبين بالتصويت الشعبي او معينين من مسؤولين تم انتخابهم، كمرؤوسين اهلا للثقة، كما هو الحال في اختيار وزراء الحكومة وكبار موظفيها، في البلدان التي تحترم شعوبها وتسعى لتقديم ما هو أفضل من الخدمات.
وأيضا موظفو القطاع العام يمكن ان يكونوا من العاملين في الدولة ضمن جهازها الإداري، او من المتعاقد معهم لفترة محددة بمقابل راتب معين، او بارتباط بعقد لإنجاز مشروع ما، وليس مثل العقود التي ابرمتها وزارة الكهرباء مع عشرات الالاف من الشباب الخريجين الذين لا يوجد أي سبب قانوني لوجودهم في دوائرها، فهم بلا رواتب ودفعوا رشاوى من اجل الحصول على التعيين بمبالغ تتراوح ما بين 2000- 9000 دولار.
قانونيا هناك بعض العاملين من هم ليسوا من الموظفين العموميين، ولكن تكون الدولة مسؤولة عن عملهم، وهذا يحدث عندما يتعاطى موظفون رسميون في القطاع العام مع هكذا نوع من الموظفين الذين يؤدون اعمالا غير قانونية، كما في شركات القطاع الخاص اثناء تنفيذ الاعمال سواءا كانت محلية ام اجنبية ولشركات جولات التراخيص حصة الأسد من هذا الفساد.
هنا يتضح ان الموظف العام الفاسد يخون الثقة التي منحت له قاصدا المنفعة الشخصية بدلا من حماية مصالح العديد من الممثلين الذين خولوه بصلاحياتهم.
لاسيما وان الموظف المؤتمن بشكل عام هو مندوب او ممثل لعدد كبير من الافراد كالمنتخب في السياسة، او كمدير مسؤول يدير شركة ما يؤلفها مساهمون صغار، او مستهلكين لخدمات أساسية كالكهرباء، او الهاتف، او إدارة ارصدة صندوق التقاعد لذلك يكون الفساد موجودا في القطاع الخاص، ودائما حيث هناك استغلال لعلاقة ثقة او ائتمان.
علما انه لا يمكن تسمية كل جرائم النطاق الاقتصادي التي لا تنطوي على مشاركة الموظفين العموميين فسادا، لكن يمكن اعتبارها وتسميتها احتيالا، سرقة، اختلاس…، بحسب القضية المطروحة، لكن عندما توجد خيانة ثقة الائتمان في القطاع الخاص فهذه تسمى فسادا.
كما ان للفساد اشكال يصنف بموجبها ومنها مثلا حسب المدى الجغرافي كأن يكون في محافظة او مدينة او منطقة يسمى فساد محلي وفي العراق هذا النوع غالبا ما يتركز في مجالس المحافظات والدوائر البلدية. او قد يكون الفساد في بلد بأكمله ويجري عادة في الأجهزة المركزية للدولة ويسمى الفساد الوطني وله امثلة كثيرة في العراق مثل استثمارات الشركات العامة او عقود الشراكة معها وظاهرة بيع المناصب.
وأخيرا الفساد العالمي وهو ما يجري بشكل رئيسي “عموما بشكل رشوة” ما بين الشركات الكبرى متعددة الجنسيات التي تلتزم مشاريع ضخمة في العديد من البلدان وعاملين في القطاع العام في البلد المعني بهذه المشاريع ومثالها في العراق شركات جولات التراخيص في قطاع النفط وشركات الاتصالات والكهرباء.
أيضا للفساد أصناف، وهي الفساد المتوطن و العرضي، فالفساد المتوطن هو ذلك الفساد المتجذر في العادات والتراث وفي ممارسات موظفي القطاع العام الذين يشغلون مناصب مهمة في مؤسسة ، او محافظة، او وزارة، وهذا الفساد من الصعب جدا القضاء عليه، احد أسباب هذه الصعوبة هو اعتقاد موظفي القطاع العام ان عائدات الفساد هي جزء أساسي من مكافأتهم ، كما في اعتقاد اغلب موظفي العراق ان المال العام مجهول المالك ومن حقهم نهبه، ، فاذا انهت حكومة الكاظمي الفساد نظريا فيجب ان ينسجم مع تخلي الموظفين عن هذا الاعتقاد وإيقاف هذا الاحتيال باسم الدين لأنه أوصل العراق الى الهاوية، وهذه عادات مترسخة لدى الكثيرين تصاحبها شحة عادات إيجابية أخرى كالضمير والإنسانية.
اما الفساد العرضي فهو على العكس من المتوطن، لأنه رد فعل لعوامل ظرفية، كمجيء حكومة استبدادية، حيث من الممكن ان يتلاشى هذا الفساد بتلاشي هذه العوامل ويتم تجاوز هذا الشكل من الفساد.
والفساد له نطاق، فالفساد يمكن ان يكون عموميا او بؤريا “مركزيا”، وفي العراق الفساد عمومي لان ممارسته منتشرة في جميع انحاء البلد ويرافقه قبول ولا مبالاة من قبل عامة الناس لان الجميع يعتقد ان الأمور هي هكذا فقط، في حين ان الفساد المركز او البؤري يمكن حصره عادة، لأنه يكون مركزا في خدمات عامة محددة او مؤسسات معينة.
هنا نستنتج ان جميع تصنيفات واشكال الفساد منتشرة في العراق وممارسة بشكل معتاد مثل روتين حياة يومي، واذا كان ضمن أولويات حكومة الكاظمي مكافحة الفساد، فيجب ان تكون هناك أدوات للمعركة ، حيث ان اهم سلاح تمتلكه هذه الحكومة مميزة عن سابقاتها هو قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 الذي يجب تطبيقه بدقة، اما الأسلحة المهمة لمحاربة الفساد هي وضع مؤشر وطني للنزاهة وكتابة استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد تتضمن ادق التفاصيل عن الفساد بعد تحليله ، والاستفادة من الاستراتيجيات التي وضعتها بلدان إقليمية ليكون الهدف الأساسي لها دعم النزاهة حسب القطاعات وتحسين مستوى العراق في المؤشرات الدولية، وتكون معركة محاربة الفساد في العراق استنادا الى اتفاقية الأمم المتحدة وبدعم منها.