صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

قراءة في التصعيد الأمريكي الإيراني

شهدت الفترة الماضية ثلاثة قرارات أمريكية كشفت وبشكل لا يقبل التأويل أن أمريكا جادة في الضغط على إيران لارغامها على القبول بشروطها ال(١٢) التي أعلنها بومبيو في أيار من العام  ٢٠١٨، والتي كان في مقدمتها قبول إيران بالتفاوض للوصول إلى اتفاق جديد مقبول أمريكيا وبلا قيد او شرط، وتعهدها بالتوقف عن إنتاج الصواريخ الباليستية، والتخلي عن اذرعها المسلحة في المنطقة خصوصا في اليمن ولبنان.

بدأت هذه القرارات الثلاثة بإدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الأمريكية في ٤/٨ من العام الحالي، تبعه قرار الغاء الإعفاءات لثماني دول كانت تستورد النفط الإيراني، والذي دخل حيّز التنفيذ في الثاني من شهر أيار الجاري، ثم قرار فرض العقوبات على مواد الصلب والألمنيوم والنحاس أيضا في الثامن من الشهر الجاري ايضا.

رافقت هذه القرارات التصعيدية إجراءات عسكرية لا تقل خطورة تمثلت بتعزيز القوات الأمريكية في منطقة الخليج وإرسال حاملة الطائرات ابراهام لنكولن والقاصفة العملاقة B52 .

في مقابل هذا التصعيد اتخذت إيران عددا من الخطوات التصعيدية كان في مقدمتها اعلان الرئيس حسن روحاني عن استراتيجية إيران للتعامل مع الموضوع بقوله: “استراتيجية النظام الايراني هي التعهد أمام التعهد والتهديد امام التهديد والانتهاك امام الانتهاك”، فضلا عن قراره بالإيقاف الجزئي للعمل بالاتفاق النووي الذي بقيت ايران ملتزمة به بعد إعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب منه في أيار من العام ٢٠١٨.

هذه التجاذبات جعلت العالم كله يحبس أنفاسه ويترقب ما يمكن أن تسفر عنها تلك الأحداث، ولعل من الصعب التنبؤ بمستقبل هذا التصعيد إلا أنه يمكن التعاطي معه على اساس الاحتمالات المبنية على احداث واقعية، فعلى الرغم من كثرة الاحتمالات التي يمكن إدراجها لمستقبل هذا التصعيد إلا أن بعضها يمكن أن يكون الأقرب بناء على المعطيات الموجودة حاليا،  وأدناه عرض لابرز تلك الاحتمالات:

١. استمرار الأزمة لأطول فترة ممكنة مع استمرار العقوبات الأمريكية على إيران وتخلي إيران عن جزء من تعهداتها للدول الاوربية بشأن الاتفاق النووي، وهو الاحتمال الأقرب، وتؤيده المؤشرات الاتية:

أ. رغبة الجانب الإيراني بكسب الوقت وتقليل الخسائر إلى ادنى حد ممكن على أمل خسارة الرئيس ترامب منصبه في الانتخابات الرئاسية الامريكية التي ستجري في العام ٢٠٢٠.

ب. سعي الرئيس ترامب الى استثمار الملف الإيراني لتعزيز حظوظه بالفوز في الانتخابات الرئاسية في العام ٢٠٢٠ مما يضمن له دعم كل من اللوبي اليهودي والخليجي واللذين يمكن أن يكونا سببا في حصوله على الولاية الثانية.

ج.رغبة الجانب الأمريكي باستمرار العقوبات وتشدبدها بهدف احداث سخط جماهيري داخلي في إيران، والذي يمكن التأسيس عليه في تحديد الآليات المناسبة للتعامل مع النظام الإيراني مستقبلا.

٢. تراجع الولايات المتحدة عن سقف مطالبها مقابل تراجع إيران عن بعض شروطها والجلوس على طاولة المفاوضات مجددا مع استمرار العقوبات على إيران لحين الوصول إلى اتفاق جديد يضمن القبول الامريكي، وتؤيد هذا الاحتمال المؤشرات الاتية:

أ. اعلان الإدارة الأمريكية وعلى لسان اكثر من مسؤول فيها عن عدم وجود نوايا أمريكية لشن حرب على إيران، ورغبتها بالجلوس على طاولة المفاوضات مجددا.

ب. اعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني رغبته في استئناف المفاوضات تأسيسا على الاتفاق السابق، وهو ما يؤشّر رغبة ايرانية لاحتواء الموقف باقل الخسائر الممكنة.

ج. تأكيد المرشد الأعلى الإيراني السيد على خامنئي وفي اكثر من مناسبة على أن خيار الحرب مستبعد في التعاطي مع هذه الأزمة.

٣.ضربات عسكرية خاطفة وقوية لمواقع ايرانية محددة فيها جانب من استعراض القوة بهدف ارغام إيران على الإذعان للارادة الأمريكية والقبول بالجلوس على طاولة المفاوضات، ويؤيد هذا الاحتمال المؤشرات الاتية:

أ. وجود عدد من المسؤولين الأمريكيين الذين يُعتقد بانهم ميالون لتوجيه ضربة عسكرية لايران وفي مقدمتهم جون بولتون، فضلا عن حركة القوات الأمريكية في منطقة الخليج وإرسال تعزيزات عسكرية كبيرة للمنطقة.

ب. تشديد الجانب الايراني على ضرورة التزام واشنطن بالاتفاق النووي كمقدمة لأية مفاوضات مستقبلية، وقرار الرئيس الإيراني القاضي بوقف العمل ببعض بنود الاتفاق النووي، الأمر الذي يعد تصعيدا في الموقف الإيراني.

ج. التفجيرات التي حدثت في ميناء الفجيرة الاماراتي والذي استهدف عددا من السفن التجارية، وبرز على إثرها اتهامات لإيران بالوقوف وراء الحادث، الأمر الذي قد يدفع باتجاه التصعيد العسكري.

أقرأ أيضا