في المجلس التأبيني الذي عقد أمس الأول الثلاثاء في بيروت، على أرواح ضحايا الغارة الأميركية قرب مطار بغداد يوم الجمعة الماضي، لاسيما ابو مهدي المهندس وقاسم سليماني، والذي جاء على هامش اجتماع لقادة “محور المقاومة” في ثلاث دول (هي إيران، العراق، لبنان)، استجابة لدعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول التطورات الأخيرة، تطرق الأخير خلال حديثه الذي أسماه بـ”الشخصي” (كناية عن وحدة مثلث المحور بفعل العلاقة التاريخية والمذهبية التي تربط شعوب هذه الدول)، الى تداعيات حادثة الاغتيال بطرحه لثلاثة أسئلة تقليدية (ماذا؟ لماذا؟ كيف؟)، الأمر الذي ترك العديد من المضامين تبحث عن توضيح، أحاول هنا إجمال ما يتعلق منها بالعراق والتعليق عليها:
أولاً: لم يكن السيد نصرالله موفقا حين أناط الرد على اغتيال الشهيد أبومهدي المهندس، بمن أسماهم “فصائل المقاومة في الحشد الشعبي”، ناسياً او متناسياً ان هذه الفصائل ودون استثناء، إنما هي فصائل مرتبطة بالدولة العراقية رسمياً، وتحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، وقد جاء الأمر الديواني الأخير لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي بهذا الشأن واضحا لا لبس فيه، فهو يقضي بمنع تحرك اي قطعات عسكرية تابعة للحشد دون علمه، وهذا يقره القانون والدستور العراقي.
ثانياً: لم يعد بمقدور هذه الفصائل مقاتلة الاميركان مثلما كان يحدث قبل الانسحاب الاميركي وقبيل اتفاقية “الاطار الاستراتيجي” الموقعة من قبل المقرب جداً من حزب الله وطهران، الرئيس الأسبق للحكومة، السيد نوري المالكي، ذلك ان هذه الفصائل برمتها مشتركة بالعملية السياسية، ولديها نواب ووزراء وسفراء، كما أن جهوزية هذه الفصائل التي قاتلت الاميركان فيما مضى غير جهوزيتها اليوم، فضلاً عن كون الاميركي لم يعد هذا “الكابوي” الارعن الذي يجوب شوارع بغداد بهمراته وناقلات الاشخاص، ذلك ان وجودهم الحالي هو عبارة عن قواعد محمية، خطوطها الامامية الجيش العراقي والشرطة المحلية، وهي قواعد بعيدة ميدانياً عن أي اشتباك، ومن فيها من جنود وضباط محصنون بطريقة لم يتمكن من خلالها اي فصيل عراقي مسلح استهداف جندي واحد بصاروخ كاتيوشا او غير ذلك.. ومنذ الاتفاقية المذكورة اعلاه.
ثالثا: بامكان أي شخص قريب من الفصائل، يكتشف عدم وجود أية أواصر ثقة بين قادتها، ولرأى عدم إيمانهم ببعضهم، بل كيف يتصارعون سراً وعلناً، من قبيل تصنيف إحدى هذه الفصائل، بـ”الابن العاق” او “المتمرد”، فيما قال عنها الشهيد المهندس: “لقد ذُبح الحشد من أجلها”.
رابعاً: حديث السيد نصر الله عن عبد المهدي كان مغلوطا وفيه من عدم الدراية ما هو واضح وجلي، إذ قال إن “سبب إسقاط عبد المهدي هو قرار أميركي بسبب ذهابه الى الصين، ولأنه داعم لمحور المقاومة”. وهذا غير واقعي، فصفقة الصين صفقة وهمية، والتجارة الاميركية الصينية تفوق ما يحكى عنه بمئات المرات، حيث تصل بين الولتين العظميين الى نحو 600 مليار دولار، فيما تصل بين الصين من جهة، وكل من العراق وايران مجتمعين الى 20 مليارا فقط.
خامسا: لم يعرج السيد نصر الله على الغريم التقليدي والكلاسيكي “اسرائيل” بالذكر، لعدم ضلوعها بحادثة الاغتيال حسب ما فهم من كلامه، وهو ما تلقفه نتنياهو سريعا حين صرح: “لا صراع لدينا مع اي طرف ونحن غير معنيين بهذه الصراعات”.
سادسا: قال نصر الله إن الهدف الاساسي للرد هي القواعد الاميركية والوجود العسكري للولايات المتحدة الاميركية في العراق والمنطقة، دون ذكر قطر السعودية الكويت الامارات البحرين، خشية إحراج الموقف الرسمي اللبناني الذي عبر عنه وزير الخارجية جبران باسيل، القريب من حزب الله في أن لبنان غير معني بما حدث ولا الرد ودعا الى التهدئة .
سابعاً: خاطب نصر الله ساسة العراق والبرلمان العراقي بضرورة التصويت على إخراج القوات الاميركية، وهو تدخل واضح في الشأن العراقي، متناسيا عدم تدخل العراق في القرار الأممي 1701 القاضي بحماية ومراقبة الحدود اللبنانية الفلسطينية على امتداد الشريط الحدودي للاراضي المحتلة من قبل قوات أممية اجنبية بتفويض من مجلس الأمن أو ما يعرف باليونيفيل.
ثامناً: دعوة السيد نصرالله العراقيين ضمناً الى الابقاء على عادل عبد المهدي، هو تناسٍ وتجاوز واضح لموقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف والشارع العراقي منه.
تاسعاً: طالب السيد نصرالله بعدم استهداف المدنيين الاميركيين في اشارة منه الى البعثات الدبلوماسية والسفارات، على غير شاكلة مطالبات المحور باستهداف السفارة الاميركية في العراق سواء عبر تظاهرات أو استهداف صاروخي، فهو لم يبين خطأ أو صحة الهجوم عليها.