كانت وزارة الكهرباء، قد أعلنت في 28 شباط 2014 ”إنّ الطاقة الإنتاجية لمحطاتها بلغت أكثر من 12 ألف ميغاواط، وأكدت عزمها “زيادة إنتاجها خلال فصل الصيف إلى 16 ألف ميغاواط، وفيما كشفت أن حجم الطاقة الضائعة بلغ 6200 ميغاواط، بسبب عدم تجهيز بعض المحطات بالغاز الطبيعي والوقود البديل، بينت أنّ العام الحالي[1] “سيشهد دخول أربع محطات كهربائية جديدة إلى الخدمة”.
يذكر أن وزارة الكهرباء أعلنت في “السادس من تشرين الأول 2013” عن تجهيز بغداد وباقي المحافظات بـ24 ساعة، مؤكدة أن المنظومة الوطنية حققت فائضاً في الإنتاج، إلا أنّ الانقطاعات في الطاقة الكهربائية، عادت مع أول موجة برد تعرض لها العراق في كانون الأول 2013، الأمر الذي عده المراقبون دليلاً مضافاً على “عدم صحة” المعلومات التي أعلنتها الوزارة بشأن إنتاجها من الطاقة الكهربائية.
بدد الجانب الأمريكي ملايين الدولارات على تجديد عدد من الشبكات التوزيع الكهربائية بينما كان بعضها بأفضل حال، ولم تكن تحظى بالأولوية، حتى في حالة حاجتها إلى الإصلاح، بالمقارنة مع إنتاج كهرباء، علماً أن كل المدن والمناطق التي جُدّدت شبكاتها الكهربائية كانت تصلها الكهرباء في ساعات معينة ضمن منهاج القطع المبرمج، ما يدل على عدم وجود مشكلة في التوصيل أو التحويل.
أُنفِقت ملايين الدولارات على ما أسمته وزارة الكهرباء -في 2008-2010، مشروع العشرة أمبيرات، وهو المشروع الذي تم بموجبه وضع قواطع دورة تنفصل عند سحب أي مواطن أكثر من عشرة أمبيرات، وقد مل الناس انقطاع الكهرباء كلما حاولوا تشغيل جهاز كهربائي إضافي، فعمدوا إلى إلغاء القواطع والربط بصورة مباشرة بعد مدة وجيزة، فيما باشر بعضهم التخلص من قواطع الدورة في اليوم الثاني لوضعها من قبل الوزارة، واستمرت الوزارة بهذا العمل، واستمر الإنفاق غير المسؤول على هذا المشروع، حتى بعد علم الوزارة بعدم فائدة وفعّالية هذا المشروع.
ولا تختلف مشاريع الإنارة بالطاقة الشمسية عن “مشروع العشرة أمبيرات” فهي مشاريع تفتقر على نحو حاد إلى المواصفات الفنية لكل فقراتها ابتداءً من سعة المنظومة “الخلايا الشمسية” مروراً بسعة البطاريات، وانتهاء بنوعية وحجم المصابيح المستخدمة ومنشأها، فيما عدا بعض المشاريع المنفذة من قبل الجانب الأمريكي التي لم تلتزم بالمواصفات الفنية التي وضعتها الوزارة، فقد حددت الوزارة مثلاً أن تكون المصابيح من نوع مصابيح الصوديوم منخفض الضغط، وهي مصابيح كثيرة الأعطال قليلة الإنارة ذات ضوء أصفر، فيما نفذ الجانب الأمريكي مثل هذه المشاريع باستخدام مصابيح تسمى “دايودات الضغط العالي” وهي مصابيح قليلة الأعطال، شدة إضاءتها ثلاثة أضعاف مصابيح الصوديوم منخفض الضغط، والغريب في الأمر أن ممثلي الوزارة، وبعض أعضاء المجالس البلدية مارسوا شتى أنواع الضغوط على الشركات المنفذة لتلك المشاريع بدعوى عدم مطابقتها “للمواصفات الفنية” وهي الحجة التي يتبعها البعض للحصول على الرشاوي والعمولات من المقاولين، والغريب في الموضوع أنه عند مناقشة أحد المهندسين التابعين للوزارة بشأن تلك المواصفات، كان رده “أنّه يعلم أن المواصفات غير صحيحة، وقد سببت لنا مشكلات كثيرة، ولكن الوزارة قد استوردت كميات هائلة من المواد الاحتياطية لهذه المنظومات حسب تلك المواصفات، ولذلك ليس لدى الوزارة خيار إلا نصب المنظومات حسب المواصفات التي وضعتها هي” وعند سؤاله عن الذي وضع تلك المواصفات؟ يجيب بعدم معرفته بمن وضع تلك المواصفات، وكيف اُسْتُوْرِدت تلك المواد الاحتياطية، بتلك المواصفات، وبالكميات الكبيرة؟ فهي أسئلة تقع الإجابة عنها في المقام الثاني، بالمقارنة مع السؤال الأهم التالي: لماذا تقوم الوزارة بتلك المشاريع، دون الالتفات إلى حل أصل المشكلة “إنتاج الكهرباء”؟
نصبت الوزارة، عدداً من “محطات التحويل مختلفة الأحجام، في عدد من المدن والضواحي، تعرض بعضها للسرقة والتلف، بسبب عدم استخدامها، لعدم وجود ما يتم تحويله “الكهرباء”، ولم يتم حل أصل المشكلة “إنتاج الكهرباء”
وزع الجيش الأمريكي بعد الاحتلال، عدد من المولدات الصغيرة في بعض المناطق الشعبية لسد النقص بالكهرباء، ثم وزعت الحكومات المحلية والاتحادية المتتالية القسم الآخر، ووزعت بعض المنظمات الإنسانية عدداً آخر منها -من تلك التي تستخدم للمناطق المنكوبة- وهي خطوة تعامل منفذوها، وكأن مشكلة الكهرباء، مشكلة على الكل التعامل معها باعتبارها “واقع” لا يمكن تغييره، أو باعتبارها إحدى الظواهر الطبيعية التي لا يمكن حلها مثل “ثقب الأوزون” أو”الهزات الأرضية والبراكين” أو”وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في العراق” ولم يلتفت أحد حينها إلى إصلاح أصل المشكلة المتمثل ب“إنتاج الكهرباء”
قُطِعت الكهرباء- حين كان يفترض وجودها في ساعات القطع”المبرمج”- عن مناطق وأحياء ومدن كبيرة، في كثير من الحالات، بذريعة انقطاع إمدادات الوقود من إيران عن المحطات الرئيسة، ولم يدفع ذلك القائمين على ملف الطاقة، إلى استخدام الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط لتغذية محطات التوليد به، وما زال هذا الغاز “الثروة” يُحرَق منذ عام 1927. ولا زالت الحكومات العراقية تطرح مناقصات تجهيز مولدات كهرباء لمعامل وزارة الصناعة والمعادن تعمل بالنفط الأسود، الأمر الذي استغنت عنه أغلب دول العالم، بل أن بعض الشركات المنتجة لتلك المولدات نفسها، قد أوقفت إنتاج هذا النوع من المولدات منذ ثمانينيات القرن الماضي لآثاره البيئية المدمرة.
في شهر كانون الأول من عام 2008، وقع وزير الكهرباء العراقي حينها كريم وحيد وبحضور رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عقدا مع شركة جنرال إلكتريك لتجهيز العراق ب 56 وحدة توليد طاقة كهربائية تستخدم أنواعا متعددة من الوقود بقيمة مليارين و800 مليون دولار. وكانت طاقة الوحدة التوليدية التصميمية 125 ميغاواط بإجمالي 7000 ميغاواط[2].
وفي الشهر ذاته كانون الأول 2008، وقع ذات الوزير وبحضور رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي عقداً مع شركة سيمنز بقيمة مليار و909 ملايين دولار لتجهيز العراق ب 16 وحدة توليد كهربائية تبلغ طاقتها الإجمالية التصميمية 3190 ميغاواط[3]، مع أن كفاءة التوربينات الغازية لا تتجاوز 36.2% من القدرة التصميمية في محطات الدورة البسيطة، وقد تصل إلى 45% في المحطات المركبة. وهذا أمر يفترض أن يكون معروفاً لكادر الوزارة، الذي سوّغ نقص القدرة الفعلية المنتجة، بأن التوربينات التي تم التعاقد عليها، تعمل على الغاز فيما تعمل الآن -وقتها- على نوع آخر من الوقود- وهذا ما ردده كل رؤساء الوزراء اللاحقين بتأثير لوبي الفساد الذي يدير هذا القطاع- وفي الحقيقة فإن كل التوبينات الغازية المتعاقد عليها، مصممة فعلاً للعمل على أنواع متعددة من الوقود غير الغاز، علماً أن تغيير نوع الوقود المستخدم في التشغيل، لا يقلل الكفاءة أكثر من 7% من قدرة التوليد -هذا في حالة استخدامنا للنفط الأسود كوقود، وهو أسوأ أنواع الوقود- ولكن يستخدم هذا العذر لتسويغ خطأ مقصود -أو غير مقصود- في التعاقدات.
لم توضّح الحكومة، وقتها، أو وزارة الكهرباء السبب الذي دفعها إلى التعاقد مع كلتا الشركتين ل”تجهيز توريبات” وليس لتجهيز ونصب وتشغيل التوربينات أي “إنشاء محطة إنتاج كهرباء” كاملة من قبل تلك الشركات، علماً أنّ الوزارة تعاقدت مع شركات أخرى، من جنسيات مختلفة لنصب تلك الوحدات التوليدية، وكان المفترض أن يتم الانتهاء من نصبها في غضون عامين بينما تجاوزت المدة العشر سنوات.
صُوّر لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، أنّ القدرة التي ستنتج من نصب هذه التوربينات، ستكون رقماً يزيد على العشرة آلاف ميغا فولت أمبير-استناداً إلى القدرة التصميمية- بينما النتيجة كانت ثلاثة آلاف وخمسمئة ميغا فولت أمبير، لأن كفاءة التوربينات الغازية، لا تتعدى في أفضل الظروف 36,2% كما هو معروف عالمياً، وكما أثبتت النتائج المتحققة على الأرض لاحقاً.
[1] المقصود عام 2014، لم تدخل في تلك السنة أربع محطات توليد جديدة.
[2] الصحفي رياض محمد، تقرير إستقصائي بعنوان “لماذا فشلت الحكومات العراقية في توفير الكهرباء”، شبكة النبأ المعلوماتية.29 كانون الأول 2020.
[3] المصدر السابق.