قطر تغادر المونديال لتدخل قلب العالم

خرجت قطر من منافسات الفوز بكأس العالم من الدور الأول بعد أن خسرت لثلاث مرات، الخسارة الأولى كانت أمام الإكوادور في أول مباراة افتتحت بها مونديال كأس العالم لكرة القدم المقامة حاليا في الدوحة عاصمة قطر وخسرت ثانية أمام السنغال وختمت مسلسل الخسارات في الميدان أمام هولندا لتخرج نهائيا من منافسات كأس العالم للعام 2022.

رغم خسارتها وخروجها من المنافسات من الدور الأول إلا أنها أثبتت جدارة لا نظير لها في التاريخ الرياضي في التنظيم والإدارة وكسرت كل الرهانات التي راهنت على عدم قدرتها في إدارة وتنظيم هذا الكرنفال الرياضي العالمي المهم، لقد بدأت قطر عملها في البناء منذ اليوم الأول لاختيارها من الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا لإقامة هذا الحدث على أراضيها، اثنتا عشرة سنة ، بساعاتها ودقائقها وثوانيها، لم تتوقف عجلة البناء فيها، كانت قطر تبني ليلا ونهارا، بدأت من الصفر في بناء البنى التحتية والمرافق الخاصة بهذا الكرنفال الرياضي، ملاعب وساحات بشاشات عملاقة لعرض المباريات للجمهور وفنادق ضخمة وطرق سريعة ومطارات حديثة وخطوط مترو متميزة وشبكة قطارات متطورة، مجمعات سكنية كبيرة تأوي الملايين، منها ما هو متحرك يمكن تفكيكه بعد انتهاء المباريات، بل إن هناك ملعبا كاملا قابل للتفكيك بعد انتهاء المونديال أطلق عليه اسم ملعب 974، يتكون من حاويات بعدد هذا الرقم الذي حمل اسم الملعب، سوف يتم تفكيكه وإعادته إلى حاويات عند انتهاء العرس الرياضي العالمي!

رغم ان الظروف المحيطة والأحداث العالمية الكبيرة التي تزامنت مع العمل في قطر كانت في الغالب ضدها لكنها لم تمنعها أو تعرقل عملها، فبدأً بالحصار الذي فرض على قطر من أشقائها في مجلس التعاون الخليجي بحجة دعم قطر لسوريا وتعاونها مع إيران وصولا إلى الحملة الإعلامية الشعواء التي شنتها معظم دول أوربا وعدد كبير من الدول الأخرى ضد قطر ومنع عرض مباريات المونديال في الشوارع وفي بعض القنوات الرسمية كما كان يجري في المسابقات السابقة بحجة إن قطر انتهكت حقوق الإنسان وكسرت قوانين العمل الدولية مرورا بوباء كوفيد الذي عطل عجلة الحياة بالكامل لعامين متواصلين والحرب الأوكرانية الروسية الدائرة حاليا والتي ألقت بضلالها على الوضع الاقتصادي العالمي وغيرت وجه العالم إقتصاديا بسبب التضخم ناهيك عن الأجواء القاتلة والحر الشديد الذي تتميز به أجواء قطر لكن كل تلك الإرهاصات والمنغصات والمعرقلات لم تمنع الإرادة القطرية من الاستمرار والنجاح وإذهال العالم بما قدمت خلال تلك المدة الزمنية القياسية.

إن التحدي الأكبر الذي واجهته قطر أثناء المونديال لم يكن في استقبال الأعداد الهائلة التي دخلت قبل المونديال بأيام استعدادا لمشاهدة المباريات ولا فيما واجهت من صعوبات ومشقات طيلة فترة التحضير للمونديال إنما كان التحدي في مواجهة بعض الظواهر الشاذة المنافية للطبيعة البشرية ولتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والتي تعامل معها المنظمون القطريون بكل حكمة وحنكة لا يخلوان من حزم وجرأة في تنفيذ القرار الخاص بمنعها، فقضية المثليين على سبيل المثال كانت التحدي الأكبر الذي واجهته قطر بكل شجاعة وتعقل، فمنعت ارتداء أو إظهار أو حمل كل ما يتعلق بشعار وعلم هذه الفئة الشاذة مما أضطر المنتخب الألماني التوجه إلى سلطنة عمان عند وصوله وتغيير الطائرة التي كانت تقل أعضائه بعد أن منعتها سلطات المطار من الهبوط في مطار الدوحة بسبب رسم وضع على جسم الطائرة اعتبرته قطر شعارا للمثليين، كما منعت الفرق الرياضية من إرتداء طقم رياضي يحمل ألوان علم المثليين او شعارهم ومنعت الكثير من المشجعين الذي حاولوا الدخول للملاعب بملابس تحمل شعار المثليين وألوان علمهم فحققت مكانة كبيرة في أعين العالم الإسلامي الذي كان يتوجس خيفة أن تقع قطر تحت التأثير الدولي وتسمح لأولئك الشواذ بنشر فكرتي الفساد والشذوذ على أراضيها في الوقت الذي عجزت فيه غيرها من الدول الإسلامية والعربية التعامل مع هذا الموضوع مسبقا كذلك منعت قطر شرب والخمور داخل ملاعبها ولأي سبب كان وبذلك أثبتت احترامها لمبادئ دينها الحنيف ولقيمها الأخلاقية السامية.

لقد دخلت قطر قلوب الناس في كل العالم بما حققت من إبداع في البناء والتنظيم وحسن الإدارة والحكمة في التعامل مع الظواهر الشاذة الأنفة الذكر وما قدمته من كرم لا محدود لضيوفها الذين قدروا بالملايين وذلك بفضل السياسات المدروسة والحكمة الفائقة لقادة هذا البلد الصغير بحجمه والكبير بعمله فكانت أعجوبة العالم لمن عاداها قبل أصدقائها وجعلت تلك الدول التي حاصرتها ووقفت ضدها سواء الشقيقة منها أو الغريبة تعيد النظر بسلوكها وتصرفها تجاه قطر لما قدمت وما حققت من إنجازات لا نظير لها.

هنيئا لقطر ولشعبها الكبير وقادتها المبدعين ولكل من ساهم في هذا الانجاز العالمي الذي سوف يسجله التاريخ بحروف من نور بعد أن كسرت قطر كل الأرقام القياسية العالمية في التصميم والبناء والتدبير والإدارة والتنظيم والكرم والأخلاق العالية في التعامل مع ضيوفها ومبروك لقطر هذه السمعة الطيبة التي اكتسبتها بفضل حكمة قادتها وحنكتهم السياسية ودأبهم المستمر في خلق هذه الصورة الناصعة التي غيرت نظرة العالم أجمع تجاه هذا البلد الصغير بمساحته والكبير بأفعاله.

أقرأ أيضا