يُخطئ من يعتقد ان السلطة تغفل عمن يتربص بها، في العراق أو في أي مكان.
الناس في حركة احتجاجاتهم الكبرى التي بدأت بزخمها الحي في العام الفائت، في العراق، هددت الاول والتالي.وهذا ما لم تنساه السلطة.
الفكرة ذاتها من العراق إلى لبنان،مظاهرات واحتجاجات وشبان وشابات بجمال وجسارة البلدين، يقتحمون المحظور والخطر ويوميات الفساد واللصوص وبائعي مستقبل الناس والاوطان.
عام كامل تحالف فيه وباء الكورونا مع غرف عمليات تديرها جهات محلية قريبة وبعيدة ترشدها مصالح وامتيازات، والهدف هو كَسر شوكة الشباب الذين تجرأوا على قول (لا ) لهذا الذي يجري وسوقهم الى حيث تكون ظهورهم الى الجدار. هذا ما يفعله التسلط بتقاليده المعروفة.
ما لم يأخذه أهل احتجاجات تشرين٢٠١٩ بالحسبان، أخذته السلطة ومؤسساتها المخابراتية واحزابها على أكثر من محمل وبكل مايملكون لوقف هذا المد، الذي بلا مَددْ الاّ من طاقة ارواح أهله العالية والبعض من المخلصين.
من ينظر لما حدث في لبنان بالتوازي مع العراق يستطيع التقاط المشتركات بضفتي الصراع.هنا وهناك اندفعت جموع الشباب ململمة اوجاعها وآمالها ومطالبها بوجه نظام فاسد ومتحلل، مقابل سلطات غاشمة وقليلة الحياء ومتمولة بنفط وسرقات وتدوير وغسيل أموال وبنوك مجندة ومنافذ حدودية سائبة.
مفارقة، تعمى العيون عند تجاهلها؛ سلطة سائبة لم توفر ابسط مستلزمات الناس: رواتب الموظفين، انعدام فرص العمل وخدمات الكهرباء والمشافي ونظافة المدن والمدارس..، هذه السلطة بعناوينها المدنية والعسكرية، تنزل لساحة التحرير بسعاااادة مابعدها سعادة كما لو كانت قد طهرت موقعا معاديا وهي ترفع اشلاء خيام ورايات وارواح الشهداء والاحياء بجرافاتها وآلياتها.
البلدان المتحضرة تحتفي بالبسيط والجميل والمناهض للرداءة.في المانيا بقيت آثار جدار برلين اشارة للاحتجاجات والقتلى والضحايا ولزمان الجدار الحديدي . وهنا يتجاسرون على وجدان الناس ويومياتهم الباذخة في وطنيتها وشجاعتها. هذا هو حال السلطة المتخلفة، تكره كل ما هو قابل للحياة والحب والرحابة.هل من يتذكر كيف أزيل نصب الجندي المجهول العراقي- تصميم المعماري رفعت الجادرجي- ووضع مكانه تمثال الجلاد المعلوم ، والذي اسقطه الامريكان بذلك المشهد الشبيه بمن صنعوا التمثال؟
لقد ارتفعت سرادقات الشهداء الى الأعالي، خيام وبُسط ريح ورايات ملونة، قمصانهم واغنياتهم ورسومهم واطعمة أمهاتهم وعطور آبائهم، ارتفعت، ارتفعت بسمو، متفوقة ومتعالية على كل بشاعة وسخف وقسوة وعنف السلطة.