صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

«قيامة الأرض» في الموصل

ترجمة: بنان السعيد

أخبرني رئيس جامعة الموصل الدكتور قصي كمال الدين الأحمدي، في اللقاء الذي أجريناه في مكتبه: “لقد شاهدت مسرحية قيامة الأرض في الليلة الماضية”، ثم كرر عدة مرات: “كان أمرا لا يصدق، لا يصدق بالفعل!” كما يقول الشباب في هذه الأيام، هل يمكن هذا!.

الدكتور الأحمدي، رئيسٌ كفؤٌ حقاً، فقد تمكن خلال أربع سنوات من إعادة بناء جامعة الموصل بكل ما تعني الكلمة من معنى، بعدما كانت مدمرة بالكامل. أبنية كبيرة بواجهات رخامية على طراز أبنية حلب الحبيبة! فقد أخبرنا بأن تنظيم داعش أغلق عدة كليات، مثل كلية الحقوق والفنون الجميلة والإعلام. وكان عدد الطلاب الإيزيديين سبعة طلاب فقط -وأطرق قائلا: يخطئ البعض في تسمية هؤلاء الأعزاء المظلومين باليزيديين محاولين إيجاد علاقة بينهم وبين يزيد بن معاويةــ، وكان تنظيم داعش، هو الأكثر مرارة وقسوة تجاه القومية الإيزيدية، واستدرك الدكتور الأحمدي، لكننا اليوم نحتضن نحو 2300 طالب إيزيدي.

إصرار الدكتور الأحمدي، على مسرحية “قيامة الأرض” جعلني متشوقا للغاية لمشاهدتها، حيث انه استخدم مفردة unbelievable الإنكليزية عدة مرات.

كانت عيناه لامعة ومليئة بالإثارة، فقال: “لا يمكن تصديق تلك الانفجارات وجبل النار في المسرحية؟” لقد طلبت من عميد كلية الفنون الجميلة أن يصطحب طلابه إلى المسرحية ويطالبهم بإعداد تقرير عن العرض. رأيت بأنه سيكون من الجيد عقد اجتماع مع مخرج العرض وبعض من المدراء. ذهبنا إلى مكان العرض في الساعة 8:30 مساءً، فكانت السيول البشرية تتدفق نحو العرض، وكان متوسط عمر الحضور تحت الخامسة والعشرين عاما، وفي الصفوف الوسطى التي جلسنا فيها قابلتنا مجموعة من اليافعين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و16 عاما، في دائرة حوارهم، تم إعداد منصة كبيرة جدا، تتسع لأكثر من خمسة آلاف شخص جالسين في مساحة أكبر من ملعب كرة قدم. ديكور المسرحية كان عبارة عن كنيسة ومسجد في الجانب الأيسر للجمهور، أما الجانب الأيمن فكان صحراء.

استغرق العرض ساعتين، كما شاهدتها مرة أخرى في الليلة التالية التي قضيناها في الموصل، ولو بقينا لليلة أخرى لكررت مشاهدتها للمرة الثالثة، فقد كانت كما أخبرنا الدكتور الأحمدي، أمراً لا يصدق.

ذكرتني “قيامة الأرض” بالعرض الأسطوري لمسرحية ملحمة ماناس الضخمة التي شاهدتها بمدينة ماناس في قيرغيزستان، حيث كان مسرح العرض أرضا منبسطة، وكانت جيوش حقيقية تسير على المنصة، فيما كان هناك طبل كبير مثبت على سفح جبل وهو يقرع، بما يشبه الأسطورة. 

لقد كانت لمسرحية قيامة الأرض نفس الأجواء، ولكن بمزيد من الابتكار والإبداع الحديث! رأيت مزيجا ذكيا جدا بين السينما وفن الأداء، رأيت الجمع بين الرسم والديكور كما في بانورامات موسكو، تخيل بأن تدخل سفينة للمسرح يرافقها بحر هائج بأمواج في غاية الارتفاع. وكأن السينما توضع بجانب المسرح. يونس الذي هو من نينوى ويمكن القول بأنه مصلاوي، يُلقى في البحر، فيفتح حوت ضخم فمه ويبتلعه! الله أكبر، هل كل هذا ممكنا؟ إن قيامة الأرض تحفة فنية ترتقي لتكون معجزة، عمل عظيم تم إنشاؤه بجهد دؤوب وذوق هائل. 

تذكرت عندما كنت في المتحف البغدادي، وكان هناك مرشد مثقف يشرح لي كيف تم استخدام مسحوق السمسم في طبق ما، فسألني إن كنت أعرف ما هو السمسم، فقلت: “نعم!”

ترى الناس دهنا في قوارير صافية

                        وما يدرى ما يجرى على رأس سمسم!

يرى الناس الزيت جليا وشفافا في زجاجات بلورية، لكنهم لا يعرفون ماذا حدث للسمسم، وكيف صمد ونجا من الضربات الساحقة. بورك كل الشباب الفنانين الإيرانيين والعراقيين الذين أعدوا هذا العرض المذهل، كما أتمنى أن يتم تقديم هذا العرض في إيران أيضا.

* وزير الثقافة الإيراني الأسبق

ترجمة عن صحيفة اعتماد الإيرانية 16 آيار مايو 2024

أقرأ أيضا