صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

كردستان.. آخر موطئ قدم امريكي في الشرق الاوسط

الشلل المؤقت الذي يحكم قضية كردستان العراق، ناجم عن حسابات دقيقة للاولويات الاستراتيجية للاطراف الكبيرة، المتحكمة بالموقف، والمؤثرة فيه بجانبيها الامريكي والروسي، مع حلفاء كل من الطرفين.

الامريكيون يريدون الجمع بين عراق موحد، وكردستان شبه مستقلة، تتمتع داخل الكيان العراقي الواحد، باقصى قدر من الاستقلال الذي يمنحها امكانية توفير حاضنة شبه علنية للوجود العسكري والاستخباري الامريكي الاسرائيلي، لهذا هي لن تسمح على قدر مايمكنها، للحكومة العراقية الاتحادية، ان استطاعت، بان تنتصر على البارزاني، او تكسر شوكته، مع انها لن تسمح لهذا الاخير، بان يتعدى حدوده، ويطمح لاقامة دولة، لان مثل هذا التصرف، يخل بالتوازنات لصالح المعسكر الروسي الايراني، فهو سيزيد من مبررات اندفاع الاطراف المتعاونة مع ايران، نحو مزيد من الارتماء بحضن طهران، الامر الذي سياتي حتما على حساب الوجود والحضورالامريكيين.

ذلك مع العلم ان كردستان البرزانية بذاتها، لا تشكل بديلا او تعويضا مغريا عن العراق ككل، وهي طرف هامشي ليس فيه مايمكن ان يحوله الى لقمة اساسية، من شانها تغيير الموازين، فهي ضعيفة على كافة المستويات، كما انها لاتملك اي من مقومات الحياة، فضلا عن التحول الى قوة يعتد بها، وسط جو معاد من قوى اقليمية قوية، اي انها عبء استراتيجي، وليست اضافة تستحق التضحية.

لكن موطئ القدم هذا، يمكن ان تتم المناورة به، أومن خلاله، بحدود، ومن دون تركه يخرق السقف المتاح له. مع ان الموقف الحالي من شانه ان يفتح العين على هذا الجزء من العراق والاقليم، فتتغير النظرة الروسية الصينية لكردستان، على اعتبارها احد الاحتمالات الخطرة، ومع ان الجبهة الروسية تعرف حدود الموقف الامريكي، وتقيس حدود كردستان نفسها، الا ان وضع خطط استباقية جاهزة للاستخدام عند الضرورة وفي حال حصول اي طاريء، صار اليوم قيد الاهتمام او الجهوزية .

مايعني ان المعركة الاستراتيجية الفعلية حول كردستان، ماتزال في بدايتها، وانها مؤجله، الا من جوانب ذات طبيعية مناوراتية سياسية محدودة الاثر، مع ان الافق كما يبدو، يغري بسيناريوهات انقلابية امبراطورية، من الصعب ان يجزم بشان وقت تنفيذها الفعلي، فالولايات المتحدة اذا فقدت كردستان، ستفقد اخر مؤطيء قدم لها في الشرق الاوسط، لتبدا عصر الافول والتراجع، الذي يتوقعه الاستراتيجيون الكبار، واولهم الامريكيون قبل غيرهم، ووقتها سنشهد صورة لكردستان يختفي منها البارزاني من المشهد، وتتراجع سلطة اربيل، لصالح السليمانية، وتُحل البيشمركة، ويتمتع اقليم كردستان بحكم ذاتي كاقليم لااكثر..

ـ يتبع ـ

باحث وكاتب سياسي عراقي

أقرأ أيضا