لو عدنا إلى الخلف عاما واحدا فقط، لوجدنا أن إقليم كردستان العراق كان قريبا من إعلان الانفصال عن جمهورية العراق الاتحادية، ولم تقف معها الدول الكبرى سوى إسرائيل التي تتمنى انقسام كل دول المنطقة بدون استثناء لتعزز قوتها في الشرق الأوسط، بهدف تفتيت الدول الكبيرة وتنوعها الديني والثقافي، وإيجاد حليف ينتهج نفس أسلوبه العنصري، ولكن صمود العراق، ومساندة الدول الكبرى جعل من ذلك الحلم يتبخر.
عناد الحزب الديمقراطي الكردستاني على المضي قدما في خطوته غير المدروسة بعناية، جعلت الكرد يفقدون الكثير من الاراضي التي كانت تحت سيطرتهم، وكانوا قريبين من خسارة مناطق أخرى لو لم تتدخل أمريكا ودول أخرى، كإيران وتركيا المناهضتين بقوة لخطوات الانفصال، لكنهما في ذات الوقت يرغبان ببقاء الكيان لخدمة مصالحهما.
تنفيذ الخطوة المتسرعة أفقدت جاذبية الاقليم الاقتصادية والأمنية، وكلفته خسائر كثيرة، من أهمها خلق أزمة اقتصادية ولدت مظاهرات تطالب الحكومة العراقية بالتدخل لحل مشاكلهم التي كان سببها تأخر استلام الرواتب، فيما تم تبادل الاتهامات بالخيانة بين قطبي السياسة في الإقليم (اليكتي والبارتي).
بعد التدخل الغربي والاقليمي، والتوسط مع بغداد، وحنكة نيجرفان البارزاني رئيس حكومة الإقليم، أخذت الامور تعود بعض الشيء إلى سابق عهدها بين المركز والإقليم، لكن ذلك كلف صاحب فكرة الاستفتاء مسعود البارزاني منصبه كرئيس للاقليم، وجعل البارتي يخوض الانتخابات البرلمانية الاخيرة في العراق بقائمة منفردة عن اليكتي، ما أضعف الكرد قياسا بالانتخابات التشريعية الأخيرة في 12 ايار مايو التي سبقتها.
ورغم التوافقات المعروفة في السياسة العراقية، ومنها التوافق الكردي الذي كاد يصبح مثالا لنظرائهم السياسيين العراقيين الآخرين، الا أن الكرد الان أصبحوا أكثر الاحزاب السياسية انقاسما، خاصة مع إصرار الـ(بارتي) على منصب رئيس جمهورية العراق، والذي أصبح ماركة مسجلة باسم الـ(يكتي)، الامر الذي ولد خلافا كبيرا بين الكرد، وجعلهم ٣ جبهات سياسية بعدما كانوا اثنين فقط (التحالف الكردستاني وتحالف المعارضة الكردية)، فمسعود البارزاني رشح مدير مكتبه السابق فؤاد حسين، وهو كردي شيعي، على عكس برهم صالح الكردي الليبرالي، ساعيا بذلك الى كسر الاتحاد الوطني الكردستاني بترشيحه شخصية شيعية لكسب تعاطف الكتل الشيعية الأكثر عددا من حيث المقاعد البرلمانية، ولكن بحسب مصدر داخل تحالف الإصلاح والاعمار فإنهم يفضلون برهم صالح على فؤاد حسين مع وجود مرشحين آخرين.
وعلى الأرجح فان انتخاب رئيس جمهورية العراق الجديد سيتجه إلى جولة ثانية بين حسين وصالح، وبالتالي مواجهة مباشرة بين الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان العراق الذي يدخل الانتخابات اليوم، الأمر الذي قد يشجع الاتحاد الوطني الكردستاني على العودة لنظام الحكومتين في الإقليم العراقي الكردي، وتعرضه لخسارة أكبر من تشرين الاول أكتوبر من العام الماضي.