صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

كورونا وجريمة الإبادة الجماعية

منذ بدء إنتشار فاييروس كورونا في مقاطعة ووهان في الصين بادرت الدول التي تخشى على شعوبها الإصابة بهذا الفايروس القاتل إلى تحديد عملية التبادل التجاري وسفر الافراد مع هذا البلد، الا حكومتنا “الرشيدة”، وعند إنتشار الفايروس في مدينة قم الإيرانية وحدوث إصابات بالفايروس بين العراقيين العائدين منها، طالبت فعاليات مجتمعية الحكومة بمنع سفر الأفراد وتبادل البضائع عبر المنافذ الحدودية مع أيران لحصر إحتمالية حصول المزيد من الإصابات بين المواطنين لكن لم تجد هذه الدعوات آذان صاغية، ما حدا بمواطني بعض المناطق الحدودية إلى غلق بعض المنافذ الحدودية مع إيران، وهي محاولات سرعان ما تنتهي لأنها لم تأخذ الصفة الرسمية الحكومية ولا زالت الحدود وتبادل الزيارات بين الجانبين مفتوحة وكأن شيئا لم يكن.

المؤلم أكثر إن بعض الأطراف السياسية تريد الإستثمار حتى في الكوارث، فهناك من يدعو إلى فتح المراقد التي أغلقت لتجنب إنتشار العدوى أمام الزوار وإن إغلاقها هو “نقص إيمان” وإن هذه المراقد يجب أن تبقى مفتوحة! بل إن إحدى الفصائل المسلحة أجبرت الجهات الرسمية في سامراء على فتح مرقد العسكري في سامراء لزيارة وفد من إيران مكون من 25 زائرا، مع ما يحمله هذا التحدي للسلطات من مخاطر حقيقية على البلد.

“خلية الأزمة” التي يراد منها التعاطي مع هذا الأمرالجلل لجنة “إعلامية” أكثر منها “عملية” ويكفي للدلالة على ذلك ظهورها المخزي أمام الكامرات لإعداد بيان لقراءته للمواطنين وويظهر جدل أعضاءها حول بعض صياغات جمل البيان، والتي –وهذا ما لم أفهمه- منعت مواطني نيجيريا من دخول العراق، فيما لم تمنع مواطني الدولتين الأكثر خطرا والتي تشهد إنتشارا متسارعا للفايروس بين مواطنيها وأقصد (الصين وإيران) من دخول العراق، فأي بؤس؟

الـ”لا أبالية” التي تتعاطى بها الحكومة مع هذا الأمر، لا يعفيها من مسؤولية إزدياد عدد الضحايا الذين يمكن أن يقعوا نتيجة ذلك وسيكون إزدياد عدد المصابين مضطردا بمرور الوقت وبمعادلة أسية، بمعنى إن إصابة شخصين قد تؤدي –في أبسط الحالات- إلى إصابة أربعة بالعدوى، لكن الأربعة الجدد سينقلون العدوى الى ستة عشر فردا جديدا وهؤلاء سينقلون العدوى إلى (256  فردا)- نحن نتحدث عن أقل إحتمالات العدوى حدوثا وليس أشدها وهي الحالة الأكثر ترجيحا- لذلك لا يمكن أن تكون الأرقام التي تعلنها “خلية الأزمة الحكومية ” أو وزارة الصحة صحيحة، لعدة أسباب أولها إن وجود إصابة واحدة مؤكدة تعني –بما لا يقبل الجدل- وجود مالا يقل عن عشرة ملامسين مباشرين للمصاب وضعف هذا الرقم ممن تعرض لملامسة غير مباشرة منه (ملامسة قبضات أبواب سيارة ركبها أو مائدة تناول وجبة طعام عليها، أو فتح أزار كهربائية أو عطس بين مجموعة مراجعين في دوائرنا المكتظة أو خلال “زيارة” لإحد المراقد الدينية) والأمر يمكن تشبيهه بتعريض مجتمع كامل للإبادة الجماعية، ولا يختلف الأمر كثيرا إذا كان الأمر مقصودا أو غير مقصود ما دامت النتيجة النهائية ستكون ذاتها.

المطلوب إجراءات عملية سريعة لتلافي المزيد من الضحايا وأولها وأهمها إنشاء مشافي سريعة النصب في كل محافظة على أن يتم عزل المصابين فيها عن المشتبه بإصابتهم، ومنع الزيارات وصلاة الجمعة وتأجيل دوام المدارس أو تأجيل العام الدراسي، وإغلاق الحدود البرية والجوية مع الدول التي تمثل بؤر للفايروس، وكذلك معالجة مشكلة إمكانية تعرض السجناء والمودعين إلى العدوى بسن قانون عفو عام بأسرع وقت ممكن يشمل أكبر عدد ممكن بإستثناء المتهمين بجرائم القتل العمد والإرهاب على أن يتم تنفيذه فور إقراره وليس بعمل لجان للنظر بكل حالة بمفردها.

لا زال بالإمكان تلافي الأسوأ، حين يكون الهدف “تلافي الأسوأ”، وليس “إظهار إهتمام الحكومة إعلاميا” لفعل ذلك.

أقرأ أيضا