صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

كورونا وفيروس السياسيين

منذ الاعلان عن أول إصابة بفيروس كورونا في العراق وكانت بمحافظة النجف بتاريخ 24 شباط فبراير الماضي، تظهر لنا يوميا ارتفاعات طفيفة بعدد الإصابات، وهذا مؤشر صغير مقارنة بما يتم تسجيله يوميًا من ارتفاع للإصابات في البلدان الموبوءة مثل “إيطاليا وإيران”، أو التي شهدت طفرة مخيفة مؤخرًا كـ”إسبانيا وفرنسا وبريطانيا”.

إن مواجهة خطورة فيروس كورونا أو جائحة 19ـCovid، دليل على الوعي الكبير للعراقيين في الالتزام بإجراءات فرض “حظر التجوال” أولا، والسلامة الصحية على المستوى الشخصي ثانياً، بالرغم من تفرد فئات محددة بالتجاوز على تعليمات خلية الازمة واجتيازها عبور الحواجز والقطوعات الامنية بهدف المشاركة في إحياء المناسبات الدينية وصلاة الجمعة التي يعتبرونها جزءا من الالتزام الديني والموروث الاجتماعي والثقافي، في وقت كانت الغالبية العظمى من ملايين الناس في الوسط والجنوب ملتزمين بالحجر المنزلي حتى الآن، وهذا لا يحتاج إلى دليل، فأبسط متابعي الشؤون العامة يعرفون ذلك.

وهنا وجدنا أن الكثير من الشرائح قد أخذت زمام المبادرة لمواجهة الوباء، إيمانا منها بأن الالتزام بمنع التجول وإجراءات السلامة، الطريق الوحيد للوقاية من الفيروس، وهذا بالتاكيد لن يمر سهلا عليهم لأن كثيرا منهم يعتمدون في معيشتهم على الأجور اليومية بخلاف معيشة أفراد الطبقات المرفهة ومعظمهم من عوائل المسؤولين الحكوميين وعناصر الأحزاب السياسية وأصحاب رؤوس الأموال المرتبطين بهم.

ويقابل الاجراءات الصارمة لمنع التجوال، لهاث خفي لبعض السياسيين، بشأن مغانم وصفقات سياسية وتجارية، متناسين التداعيات الخطيرة لتعطيل الحياة اليومية وأثرها على الملايين من أصحاب الدخل اليومي او حتى بناء محاجر صحية لاستيعاب من لا يجدون أماكن صحية تؤيهم أو منازل فارهة لحجر انفسهم.

في ظل هذا الوضع، يتاح لبعض المرتبطين بأحزاب السلطة التجوال أينما يريدون مع تجاوز واضح للوائح والتعليمات الامنية والصحية، حيث رأينا قبل أيام كيف تعرض رجل أمن في بغداد للاعتداء بالضرب المبرح أثناء منع سيارة تويوتا دفع رباعي كان يستقلها اثنان على صلة بمسؤول كبير.

كما اننا في العراق، لم نسمع أي مسؤول عراقي أجرى فحصاً طبياً، حيث ان معظم المسؤولين في دول العالم خضعوا للاختبارات ليس لأنهم مصابون، كما يشاع في وسائل الإعلام الدولية، لكن الحقيقة كما قال العديد من المراقبين هي كذبة قاموا بها من أجل تشجيع مواطنيهم على إجراء الفحوصات المختبرية الطبية وإخطارهم بأنهم مثلهم معرضون للخطر، على سبيل المثال، هذا ما فعلته المستشارة الالمانية ميركل، والرئيس الأمريكي ترامب، وآخرون، فمتى شعر المسؤول العراقي والسياسي والديني بالخجل من مشاهدته لهذه المواقف؟ أنا متأكد انهم لم يطلعوا على التصريحات اليومية لرئيسة وزراء نيوزلندا أرديرن، المنشغلة يوميا باظهارها الوقوف مع مواطنيها الخائفين من الوباء ومن تدهور معيشتهم وتكلمت بشجاعة انها امهم، ولن تتخلى عنهم ومستعدة ان تقدم روحها فداءً للنيوزلنديين حيث تستغل فترة إقامة الحجر المنزلي باستخدام تقنية البث المباشر للاستماع لأسئلة واستفسارات المواطنين في إشارة واضحة منها على أنها واحدة منهم.

لو كنت رئيسا للوزراء أو الجمهورية، لكنت أعلنت ببساطة عن حجر صحي على نفسي في مستشفى الفرات العام، مدعيا الإصابة بالفيروس أو الحجر في منزلي، مع التنازل عن راتبي الشهري لمدة عام دعما للعائلات ذات الدخل اليومي، أو ارتداء زي المسعفين والاسهام في تقديم المساعدة الطبية والنفسية؟ أليس من العار على السياسيين أن تقوم شرائح مختلفة من الشعب منح ممتلكاتهم لدوائر الصحة وسد النقص في مجال الحجر فيما تظل قصور وقاعات الجادرية وسط بغداد كمنتجعات لراحة المسؤولين وقادة الأحزاب وواحة لاجتماعاتهم الفارغة؟ ترى كيف يريد المسؤول العراقي كسب احترام المواطنين فيما لا يفكر هو بالتضامن مع المصابين وعائلات المتوفين؟ وهل يعلم المسؤول أهمية هذه الخطوات ومدى فعاليتها في خلق وعي بين المواطنين بالتعاون؟

أخيرا فان العراقيين سيتخلصون حتما من فيروس كورونا، لكن متى سيتخلصون من فيروس السياسيين الذين يلوثون حياتهم؟

أقرأ أيضا