صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

كورونا يكشف مكامن الفساد

اعتاد المجتمع العراقي على الخطابات الحكومية التي تنادي بمكافحة الفساد منذ 2005 وحتى اليوم، ودائما ما يرافق هذه الخطابات أنغام سرقة المال بمليارات الدنانير ووثائق تتسرب عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومن ثم تصل هذه الوثائق الى ايادي السياسيين لنراهم يتشدقون بها عبر القنوات الفضائية، لكن الفساد في زمن الكورونا هو اشد موجة فساد يتعرض لها العراق منذ احتلاله في نيسان 2003، خصوصا وان الفاسدين ينادون بمحاربتهم الفساد ويصدرون البيانات والايضاحات وسط تحركات للجهات المعنية والأجهزة الرقابية التي لا تتناسب مع حجم ما يحدث من فساد.

وعلى الحكومة التي تسعى لمحاربة الفساد ان تتحرك لدراسة مكامن الفساد في العراق ومن ثم تضع الخطط لمحاربته وفق رؤى علمية وتجارب دولية متبعة وقصص نجاح في بلدان إقليمية حيث تمت دراسة مخاطر كل قطاع ومن ثم العمل على سد الثغرات من خلال فريق وطني متخصص بكل قطاع.

 

حيث هناك قطاعات او حقول او نشاطات ينشط فيها الفساد بصورة أكثر تكرارا، وهذا يتعلق عموما بمؤسسات او مجالات حيث الاحتكاك أكبر مع عموم الناس ويمكن لآثاره ان تضرهم اقتصاديا او يقع عليهم وزر القانون، شكل الفساد عموما هو في الرشوة او الابتزاز، وهذه امثلة عن هذه المؤسسات والقطاعات:

المشتريات العامة: في هذا المجال يطمح المتقدمون او الجهات الخاصة الى نيل العقود والعروض العامة والتي يمكن ان تضمن هامشا كبيرا للربح، او تساعد في استمرار أعمالهم اقتصاديا وخير مثال على ذلك مشتريات دوائر الصحة في المحافظات لمستلزمات الوقاية من جائحة كورونا، حيث ان أحدهم اشترى الكمامة الواحد بسعر 22 ألف دينار، ومشتريات وزارة الصحة مثل عقد أجهزة ثرم النفايات الصلبة التي اعلن عنها ديوان الرقابة المالية يوم امس حيث تم التلاعب بالعقد ولم تجهز المواد بالكامل الا لسنة واحدة فقط إضافة الى عقود توريد الادوية والمستلزمات الطبية وتجهيز الأطعمة للمستشفيات واخرها المضاربة بقناني الاوكسجين في محافظة ذي قار، وهذا أسلوب فساد متبع في الوزارات الأخرى ايضا.

اما خدمة الكمارك: حيث هذه الخدمات تتحكم بالواردات والصادرات، والتي تنطوي على مصالح اقتصادية للأفراد او الشركات، ولاحظنا في الأيام الأخيرة كيف ارتفعت إيرادات الكمارك بعد تسليط الأضواء عليها، لكن هناك من ينادي بالقوة كحل لإدارة المنافذ الحدودية من خلال سلطة جهاز مكافحة الإرهاب للحد من سيطرة مافيات الفساد عليها، متعمدين اغفال دور النظام الالكتروني في إدارة هذه المنافذ، حيث سبق وان طبق العراق نظام النافذة الواحدة وسيطر على الكمارك ومزاد العملة ونسبة كبيرة من غسيل الأموال، لكن ايدي الفاسدين طالتها وأوقفت عمل المنظومة هذه، لذا من الاجدر بحكومة الكاظمي ان تعيد العمل بهذه المنظومة الالكترونية لانها بوابة سيطرة على فساد مزاد العملة والكمارك وهذه مبالغ كبيرة يتمكن العراق من خلالها على بناء اقتصاده واعادة امنه وسيادته.

بينما قطاع الشرطة “وزارة الداخلية” فهو قطاع يعاني تاريخيا من الفساد، لان تنفيذ القانون على يد افراد من ضباط الشرطة، غالبا ما يؤدي الى اصدار غرامات كبيرة او الى أسوأ من ذلك كما في حادثة الاغتصاب من قابل ضابط برتبة عالية في محافظة صلاح الدين قبل ايام، لذلك في كثير من البلدان، هذا القطاع عرضة للفساد، وعادة في شكل رشوة او ابتزاز، وما تحدث به وزير الداخلية عن ظاهرة بيع المناصب خير دليل على الفساد، لذلك قطاع الشرطة بحاجة الى إعادة هيكلة وفق نظام قانوني مبني على الكفاءة والنزاهة وليس الولاء، إضافة الى مراجعة كل مكامن الفساد في قطاع الشرطة واهمها عقود الاطعام والتجهيز والتأمين الصحي وجميع الاستقطاعات من رواتب الشرطة ، إضافة الى التخلي عن إجراءات التحقيق واعادتها الى السلطة القضائية “المحقق القضائي” ، بدلا من الإدارة السلبية والروتين والابتزاز الذي يتعرض له المواطن ويرغم على ترك حقوقه واللجوء الى الجريمة بحكم الانتماء الطائفي او العشائري.

إضافة الى ان دوائر المرور تعاني من الفساد المقنن مثل سحب لوحات السيارات ذات الأرقام المميزة والاتجار بها، وكذلك قضية طباعة اللوحات وفحص المركبات وإصدار اجازات السوق، وكذلك عدم معرفة إيرادات دوائر المرور خلال ازمة جائحة كورونا والغرامات بمبالغ كبيرة، كل ذلك يحتاج الى ان تعلن بيانات الإيرادات المالية على الموقع الالكتروني لهذه الدوائر.

هذا لا يعني ان السلطة القضائية بعيدة عن ممارسات الفساد، القضاء أيضا يتأثر عادة بظاهرة الفساد، لأن مهمة القضاة هي تحديد من سيفوز في نزاع ما، او بالأحرى ادانة او تبرئة لقضية في محكمة جنائية، ولذلك فهناك خطر من سعي الأشخاص المعنيين لضمان النتيجة لصالحهم عبر تقديم ميزة غير مستحقة للقاضي، او ان القاضي بنفسه يبحث للحصول عليها بالمقابل.

او تأجيل المحاكمات او المرافعات والوقت المهدور في الإجراءات التحقيقية او الضغط على المتهم لتوكيل محامٍ محدد كما حصل قبل أيام في طلب قدمه أحد المحامين الى قاضي التحقيق ونقابة المحامين، لان زمن حسم الدعاوى مفتوح ويخضع لشتى الحسابات والضغوطات والمزاجيات.

خصوصا ونحن نرى اليوم ان ابسط موظف “معتمد البريد” وضعه المالي متقدم جدا وسيارته فارهة لا يتناسب اثراءه الفاحش مع مقدار راتبه، وهذا دليل فساد قاطع.

لذلك أرى ان مكامن الفساد في العراق هي القطاعات الأربعة: المشتريات العامة والكمارك والشرطة والقضاء، ان تمكنت الحكومة من إصلاحها متبعة اليات الحكم الرشيد والحوكمة الالكترونية سيكون لها الأثر الفاعل على تقدمها في ميدان محاربة الفساد، متزامنا مع الارتقاء بأمن وخدمة المجتمع محققة إيرادات مالية اضعاف ما تطمح له الحكومة كمرحلة أولى لبناء عراق خال من الفساد.

أقرأ أيضا