صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

كيف تتعامل الصهيونية مع سلاح المياه؟

فى ظل أطماع دولة الاحتلال فى المياه الاقتصادية اللبنانية وبلوك9 تحديدا، كان علينا أن ننظر نظرة شاملة في كيفية تعامل دولة الاحتلال منذ نشأتها وحتى الان مع المياه، وما تمثله من رمز وسلاح.

فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء جلسة الحكومة الإسرائيلية في 4 ديسمبر2016 أن مشروع قناة البحرين بمثابة مرساة استراتيجية للعلاقات بين اسرائيل والاردن التي وصفها بـ”الحيوية أكثر فأكثر”، في ضوء التطورات بالشرق الأوسط، وقال: “تجاوزنا الأسبوع الماضي مرحلة أخرى في طريق تجسيد مشروع قناة البحرين، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان يمولون هذا المشروع المشترك لإسرائيل وللأردن وللسلطة الفلسطينية، والذي ينطوي على تحلية مياه البحر الميت لصالح بلدات غور الأردن الإسرائيلية والأردنية على حد سواء، ووفقا لهذا المشروع سيتم في عام 2020 توفير مياه عذبة إلى سكان غور الأردن وسيتم تحويل مياه مالحة من البحر الأحمر إلى البحر الميت”.

وقد لفت نتنياهو الانتباه إلى أن هذا المشروع يتطابق مع رؤية مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل كما ورد في كتابه “أرض قديمة حديثة”، وهو الامر الذى يجعلنا نسلط الضوء على كيفية تعامل اسرائيل مع المياه وهل اذا كانت تمثل لها مورد للحياة فقط أم شئ أخر.

وهنا وقبل ان نعلق على ما سبق بلغة الاقتصاد او الديمغرافية او غيرها، يجب أن نمعن النظر فى كيفية تعامل العقلية العبرية مع مورد المياه أو بالاحرى سلاح المياه، فهو أحد أهم اركان الفلسفة اليهودية، ويمثل سلاحا استراتيجيا قويا للدولة العبرية، ففى أدابيات اليهود ترسم حدود دولة بني اسرائيل المزعومة بين نهري الفرات بالعراق والنيل بمصر، وهى الخريطة التى تتجسد فى العبارة الشهيرة “من الفرات للنيل وطنك يا بني اسرائيل”، وإذا تتبعنا بداية ولادة الكيان الشيطانى، فسنجد أن فلسطين لم تكن الهدف والمطلب الاساسى، بل اتجهت أنظار اليهود الذين كانوا يبحثون عن مأوى ووطن لهم الى أوغندا، حيث روافد ومنابع نهر النيل، الى ان جاء وعد بلفور وعد من لا يملك لمن لا يستحق، لكي تمنح المملكة المتحدة مأوى ليهود الارض بعد ان رسمت الصهيونية العالمية دولتها الوليدة عبر أسس ومعتقدات تاريخية من التلمود والتوراة، ولا يخفى على أحد صدمة بسطاء اليهود أثناء وصولهم لارض الميعاد (كما يدعو) بسبب تلك الارض الصحراوية الواقعة بين مصر والشام وتفتقر للمياه، ولكن جاءت كلمة مؤسس الكيان الصهيونى بن غوريون معبرة عن حاضر تلك الدولة فى ذلك الوقت ومستقبلها ومستقبل المنطقة بعد ان قال “إن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة القديمة هم مهندسو المياه، فعليهم يتوقف كل شيء”.

وعند تأملنا لعلم دولة الكيان الصهيونى سيتضح لنا حاليا ما تمثله المياه لتلك الدولة المزعومة، فنجمة داوود السداسية (كما يسميها الصهاينة) تتوسط خطين باللون الازرق وهو رمز لحدود دولة اسرائيل الكبرى التى تقع بين نهرى الفرات والنيل.

وبعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003م لم تتأخر تل أبيب فى دعم أنقرة لاتمام مشاريع سدود الغاب الذى يشمل اكثر من 20 سدا والذي دعمته إسرائيل بقوة، وأعلنت عزمها الاستثمار في تلك المنطقة، حيث يوجد بمشروع الغاب 67 شركة اسرائيلية تعمل من عام 1995م، ولم تكتف تل أبيب بذلك، بل قامت بشراء أراض على ضفاف نهر مناوغات، وبات الدعم موجها ايضا لاقامة سدود بريجيك وسد قره قايا وسد غازي عنتاب وسد كيبانو وسد دجلة، وهذا نفس السلاح الذى استخدمته واشنطن وربيبتها إسرائيل فى خطة تركيع مصر باجتماعهم في المانيا 2014م عندما طالبوا بسرعة بناء سد النهضة الاثيوبى، وهو السد الذي باتت فيه اسرائيل الداعم الاول له.

كما جاء مشروع انابيب السلام بتركيا ومشروع جنوب شرق الاناضول الذى تم تنفيذهم على نهري دجلة والفرات كتوغل إسرائيلي جديد فى مشاريع المياه بالمنطقة، واستغلال واضح لموارد تركيا المائية.

فقد مثلت الانهار خطوط التقدم لجيش الاحتلال الاسرائيلي، ففى حرب تموز 2006م كانت القوات الاسرائيلية تدفع بكل تشكيلاتها لكي تصل لنهر الليطاني بجنوب لبنان، وهو المشهد الذي ذكرنا بالحروب التى خاضتها العصابات الصهيونية بعد نزولهم لارض فلسطين، ولم تكتف تل ابيب بنهر الليطانى، بل ذهبت تروي عطشها من باقي انهار الشام كنهر بانياس واليرموك والحصباني وغيرها من روافد ومنابع الشام، كما انها لم تتردد فى الذهاب لافريقيا للاستثمار في مشاريع المياه رغم البعد الجغرافي والتاريخي، كما يعلم الجميع ان اسرائيل كثيرا ما استخدمت سلاح المياة لتهجير الفلسطنيين من الضفة الغربية وبالتحديد بمنطقة الاغوار، فالمياه تمثل للكيان الصهيوني فلسفة وسلاحا استراتيجيا قبل أن تكون موردا للحياة.

باحث ومحلل سياسي في شؤون الشرق الاوسط

fady.world86@gmail.com

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لـ”العالم الجديد”.

أقرأ أيضا