الملفت في البيان الصادر عن مكتب السيد السیستاني أن المرجع الأعلى يبدأ بالتركيز على العراق (تعزيز علاقات العراق بجيرانه، وليس تعزيز علاقات الجيران بالعراق)، أي أنه مهتم بالحديث عن العراق أولاً وليس غيره. ومع ذلك فإنه يشير إلى أهمية أن تكون العلاقات مبنية على مصالح الطرفين واحترام السيادة وعدم التدخل (وهذه أمور تطالب بها في العادة إيران وليس العراق)، وكأنه يريد القول: نحن نرحب بعلاقات العراق بجيرانه ولكن على الجيران أن يحترموا النقاط الثلاث في علاقتهم بالعراق.
في موضوع الحرب على داعش يختلف بيان السيستاني عن البيان المشترك بين مسؤولي الدولتين؛ ففي حين ركز البيان المشترك على موقف إيران ومساعدتها للعراق في محاربة الإرهاب دون توضيحٍ أو تعليق من إيران يبين مديونيتها للموقف العراقي البطولي (الإيرانيون أشادوا بموقف العراق من العقوبات فقط دون الإشارة إلى تضحيات العراقيين في دفع الإرهاب عنهم) ركز بيان المرجع على دور العراق و(تضحيات الأبطال العراقيين الكبيرة) في دحر مخاطر الإرهاب عن (المنطقة كلها)، والمثير للأهتمام أكثر أنه لم يخص المسؤولين الإيرانيين أو الدولة الإيرانية بالذكر إنما اكتفى بالقول إن المرجع (نوه بدور الأصدقاء في تحقيق ذلك) دون أن يعيّن هؤلاء الأصدقاء ويشخص نوع أو حجم مشاركتهم.
وإذا كان البيان المشترك يُعنى بشرح القضايا ذات الاهتمام المشترك فإن بيان المرجع بقي معنيا بشرح التحديات التي تواجه العراق خاصة، في إشارة واضحة إلى مركز اهتمام المرجع وعنايته من جهة، وما يضعه على رأس قائمة الدولة العراقية وجيرانها من جهة أخرى. أعني أن المرجع حين يؤكد على (مكافحة الفساد وتحسين الخدمات العامة وحصر السلاح بيد الدولة وأجهزتها الأمنية) كتحديات تواجه الحكومة العراقية يجب عليها تحقيقها كأنه يذكّر الجانب الإيراني بما يجب عليه التعاون مع العراق فيه من مجالات، وهي مجالات بقيت متوارية في البيان المشترك لصالح أمور أخرى تتعلق بمذكرات التفاهم والاتفاقيات وشؤون الاقتصاد والتجارة والحدود وأمثال ذلك (وهذا أمور رأى طيف واسع من العراقيين أنها لا تقع الآن في صميم المصلحة العليا للعراق في علاقته مع إيران).
المرة الوحيدة التي ذكر فيها بيان المرجع الفعل (شَدَّدَ) جاءت حين ذكر المرجع (السياسات الاقليمية والدولية في المنطقة)، وهنا فقط صرح المرجع بما يتجاوز الشأن الداخلي العراقي بعد أن أكد على ضرورة أن تتسم تلك السياسات (بالتوازن والاعتدال) التي من شأنها وحدها تجنيب (شعوب المنطقة مزيداً من المآسي والاضرار).
الشيء الأخير الذي وجدته غريبا بعض الشيء هو التقرير المنشور بالفارسية على الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية الإيرانية إذ لم يشر التقرير إلى أي تفاصيل تذكر عن لقاء روحاني بالسيد السيستاني!! وإنما اكتفى بالإشارة إلى خبر اللقاء فقط!! على عكس التقارير الأخرى للقاءات السيد روحاني مع المراجع الباقين كالشيخ بشير النجفي والشيخ الفياض والسيد محمد سعيد الحكيم فإنها سردت الكثير من التفاصيل عما دار في تلك اللقاءات.
سؤال أخير، قد لا يهتم له الكثير من العراقيين، هو: كيف نظر الإيرانيون إلى لقاء روحاني بالمرجع السيستاني؟ لعل الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى فرصة أوسع للكتابة والتفصيل، ولكن بنحو عام هناك طيف كبير من الإيرانيين ينظرون إلى السيستانية كعلاقة فريدة من نوعها، وربما حتى ملهمة، لرجل الدين الشيعي بالسياسة خارج أسوار نظرية ولاية الفقيه أو حتى في مقابلها. لقد أثارت صورة روحاني وهو يجلس متواضعا بين يدي المرجع السيستاني السؤال عن حجم الدور الروحي الكبير الذي يمكن أن يمارسه رجل الدين في السياسة دون أن يضطر إلى أن يتموضع داخلها. ومن الواضح أن هذه الاستلهامات من اللقاء أو من الصورة (صورة اللقاء) تعبر عن جدالات دينية / سياسية تقع داخل التجربة السياسية الإيرانية لست هي ما يتبادر إلى أذهان العراقيين منها لأول وهلة.