صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

لاستعادة نصب الحرية

أعتقد أن مآلات الأحداث تعطيني، شخصياً، فرصة لطرح موضوع طالماً تمنيت مناقشته بعيداً عن أجواء التوتر التي تسحبه من نمط النقاش الهادئ إلى نمط النقاش الاتّهامي التخويني المُرتاب. أقصد موضوع انقسام مُحتَجِّي ساحة التحرير بين مؤيد لانضمام التيار الصدري اليها وبين رافض لانضمامهم. وكان التيار ايامها قد تقدم بعرضِ دعمه الاحتجاجات على ان يكون الدعم مبنياً على اتفاق مُبرم وقيادة مشتركة. وكنت من ضمن الرافضين لهذا العرض والمنسحبين بسببه من ساحة التحرير.

إذاً ما الأسباب التي دفعتني إلى الانسحاب، ضمن بقية الـمُنسحبين ممن شكَّلوا فيما بعد مجموعة ”مدنيون“. وهي الأسباب التي عوملت وقتها وكأنها موقف عدائي من التيار الصدري، أو عوملت وكأنها حسّاسية مفرطة من تزايد حضور قيادات الحزب الشيوعي في الاحتجاجات.

وفي الحقيقة كان الانسحاب ناتجا عن قراءة مبكرة للنتائج التي يمكن أن يوصل إليها أي اتفاق يُعقد بين المحتجين وبين أحد أطراف العملية السياسية التي يحتجون على مخرجاتها، ففي مثل هذا الاتفاق لابد أن يحصل رضوخ تدريجي من أحد الطرفين لشروط البيئة التي يعمل وفقها الطرف الآخر. بمعنى؛ إما أن يغادر التيار الصدري العملية السياسية تماماً ويكتفي بساحات الاحتجاج، أو أن يغادر المحتجون ساحة التحرير ويشاركوا في العملية السياسية. ولأن التكافؤ غائب بين الطرفين، فبينهما فارق كبير في القوة والسلطة والمال. لذلك كان من السهل على اي مُراقب أن يتوقَّع ذوبان الاحتجاجات في احضان العملية السياسية. وهذا ما حصل فعلاً.

وقد عبَّرنا عن مخاوفنا من هذا المصير على طول الفترة الـمُمتَّدة منذ انسحابنا وحتى وقت قريب. وقمنا بذلك فرادى أو مجتمعين عبر تشكيل ”مدنيون“. قلنا في وقتها إننا، مبدئياً، لا نرفض حضور اي فصيل سياسي في ساحات الاحتجاج فهذا حق يكفله الدستور وتضمنه الاعراف السياسية والحقوقية. لكننا نرفض أن يتحول حق الاشتراك المجرد إلى اتفاق مبرم، وللاسباب التالية:

إن الاتفاق سيؤدي إلى التزامات متبادلة بين طرف سياسي لديه مصالح وعلاقات داخلية وخارجية مختلفة ومتشابكة ومعقدة، وبين المحتجين الذين يفترض بان لا يكونوا ملتزمين بغير مصلحة الاصلاح.

إن هذا الاتفاق لو تم سيتحول بالتدريج إلى اتفاق سياسي بين الحزب الشيوعي، الذي يساهم بشكل فاعل بقيادة الاحتجاجات، وبين التيار الصدري، وهذا ما اخبرت به شخصياً، اصدقاء في التيار الصدري زاروني في بيتي، ايام التباحث لعقد الاتفاق، ليناقشوا انسحابي من الاحتجاجات، وقد خرجوا متفهمين لمخاوفي بشكل كبير. إن هذا الاتفاق سيخرج بالاحتجاجات من كونها مطلبية اصلاحية إلى كونها جهوية سياسية.

إن مبرر الحصول على زخم الجماهير الصدرية الاحتجاجي الذي قدمه الداعون لابرام الاتفاق، غير حقيقي من وجهة نظرنا، فهذه الجماهير تُـمثَل شخصاً واحداً هو السيد مقتدى الصدر، تشارك في الاحتجاجات ولا تشارك بحسب توجيهاته، أي أنها غير معنيَّة بمبدأ الاصلاح عبر الاحتجاج لكنها معنيَّة بتنفيذ اوامر رمزها وقائدها السياسي/ الديني.

الآن بعد أن اثبتت الاحداث صدق هذه القراءة، وهي قراءة لم تكن غائبة عن احد، افترض بان الاطراف المشاركة في الاتفاق تفهمت وجهة نظرنا المعارضة ولم يعد مستساغاً اتهامنا بالعداء أو الشخصنة. هذا أولاً، وثانياً يفترض بهم أن يُخلوا لنا ساحة التحرير، لأنها المكان الوحيد الذي تُمارس فيه عملية الاحتجاج على الأطراف المشاركة في الحكومة، ولا يُعقل منهم وهم العقلاء، أن يستمروا في الاستيلاء عليها ليمارسوا الاحتجاج على حكومة وضعوا الحجر الأساس في تشكيلتها وهم الكتلة الأكبر فيها.

أقرأ أيضا