أبرز مظاهر الأنظمة الدكتاتورية هي قمع حرية الشعب، وتغييب رأي الفرد المعارض وحتى وجوده المجتمعي أو الحياتي، وفي المقابل نجد أن الأنظمة الديمقراطية لا تقوم إلا على وجود الرأي المخالف والمعارض، هكذا هي المعادلة الحاكمة والمتأصلة في كلا النظامين.
بالنسبة ليّ شاركت في أول انتخابات بعد سقوط النظام الدكتاتوري وفي حينها منحت صوتي لكتلة تبين ليّ فيما بعد أنها لا تستحقه، ثم شاركت وكنت مراقباً انتخابياً في الاستفتاء على الدستور وأودعت ورقتي الاستفتائية في الصندوق (تالفة) لا مع ولا ضد، وأيضاً أدليت بصوتي في الانتخابات الثانية وقاطعت الثالثة، ثم ارتجيت خيراً في الانتخابات الرابعة وصوّت لكتلة خيبت ظنيّ، ومنذ ذلك الحين قررت مقاطعة الانتخابات نهائياً لحين ظهور من يستحق أن نمنحه أصواتنا –ولا أدري متى يظهر-، فهل أنا آثم شرعياً أو قانونياً أو دستورياً أو اجتماعياً؟.
المعارضة ليست بإثم لكي استحق المعاقبة عليه، بل هي حق مشروع انتهجته الأنظمة التي تحترم الإنسان فرداً كان أو جماعة حتى وإن كان معارضاً لها، هذا هو ميزان العدالة الإنسانية التي ننشدها وينشدها غيرنا ممن ابتلي بحكومات لا تفقه أبجديات الديمقراطية.
أنا لست خارجاً عن القانون والدستور حين لا أدلي بصوتي في الانتخابات، بل أن الدستور والقانون والحكومة والبرلمان هم من يخرجوا عن هذه الضوابط إذا ما صادروا حريتي في التعبير عن رفضي لما يجري في بلدي.
حين تأمرني الحكومة بأنني ملزم بالتصويت في الانتخابات فهي خارجة عن الدستور والنظام الديمقراطي، وحين تلزم الموظف بأن يكون لديه (بطاقة الناخب البايومترية) لكي تمنحه راتبه الشهري الذي يكفله الدستور فهي لا تختلف عن حكومة النظام الصدامي الذي جعل (كاغد) البطاقة التموينية مستمسكاً رسمياً أساسياً لتمشية المعاملات الرسمية، وحين ترى حكومة ما أن هذا (الكاغد) ليس أساسياً كمستمسك رسمي وتلغي وجوده في المعاملات فهي بذلك أما مبتدعة أو أنها تقدم حق المواطن على (الكواغد)، وحين تأتي حكومة أخرى وتجعل من (الكاغد العاجي) مستمسكاً افتراضياً فهي بذلك لا تختلف عن النظام الدكتاتوري الذي ابتدع بدعاً ما أنزل بها الدستور العراقي من سلطان.
أنا معارض للعملية السياسية ولا أرغب بالمشاركة فيها حتى عبر الإدلاء بصوتي الرافض لكتلها وأحزابها وشخوصها، فهل أنا إنسان خارج عن القانون يجب معاقبتي أم ماذا؟.