تمثل اللقاءات التي جرت بين بعض قادة التنسيقيات وممثلين عن الصدر، وما يمكن او تولده من خفض للتوتر وتفاهمات على بعض المسائل الخلافية، خطوة جيدة، لكنها غير كافية، خاصة وسط المخاوف المتزايدة من انقلابات الصدريين المتوالية في المواقف والخطط المعلنة، وان كانت اهدافهم هي ذاتها لم تتغير “القطعة الأكبر من غنيمة السلطة وتسيد القرار بالساحة الشيعية المليئة بالمنافسين“.
النقاشات التي امتدت لساعات، وتضمنت مكاشفات، وتقديم ممثلي الصدر بعض الوعود المتعلقة بتصحيح مسارات تحركاتهم ومواقفهم، تمثل تراجعا للصدرين خطوة الى الوراء في سياستهم العدائية للمحتجين، ربما ادراكا بحجم المأزق الذي وضعوا انفسهم فيه دون مبرر منطقي أو دافع سياسي عقلاني، ولتحجيم الخسائر المحتملة وليس لتدارك الأخطاء وتصحيح مسارات سياساتهم.
تلك السياسات التي افقدتهم الكثير من المؤيدين والمتعاطفين ووضعت جمهورهم والمتحدثين باسمهم الذين بدو كمراهقين في العمل السياسي والاعلامي، في خانة بائسة من تبريرات وتقولات يعتبر تسويقها بحد ذاته فضيحة. والتي وضعتهم في مواجهة انتقادات مباشرة وواضحة من المرجع السيستاني.
الآن من غير المنطقي رفض فكرة التهدئة والحوار مع الصدريين وهم الذين يريدون قيادة الحكومة المقبلة والوحيدون الذين أيدوا علنا رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي، وهو ما يجعله مرشحهم والشخص الذي سيتفاوض معه المحتجون في جولات ونزالات الصراع السياسي والشعبي المقبلة وهي نزالات ستكون طويلة وقاسية.
الصدريون مطالبون الآن، ولوقف خسائرهم الشعبية وربما السياسية اذا فشل مرشحهم في تشكيل حكومته، باعادة الثقة مع المحتجين التي “كادوا يقتلوها بتواثيهم”، وهو امر يتطلب منهم ليس مجرد اعلان مواقف مهدئة للصراع او مهادنة للمحتجين ومؤيدة لمطالبهم او تقديم اعتذارات شكلية للضحايا الذين سقطوا في “منازلاتهم الغبية والصادمة” مع شركائهم في الساحات.
هم مطالبون بالقيام بتحركات حقيقية على الأرض، وليس مجرد وعود بسحب القبعات الزرق من الساحات (وهو أمر طالما اعلن وكان مجرد تكتيك تم خلاله نزع القبعات) او تصحيح الوضع “الدعائي المخزي” للمطعم التركي بوضعه تحت اشراف امني مشترك او حكومي. وهي تحركات يصعب ان تتحقق، وفق رؤية الصدريين الحالية التي لا تعترف بالأخطاء وتعتبر الآخر عدوا يمكن التفاهم مرحليا معه فقط وفي سبيل تحقيق بعض الأهداف.
عموما حتى مع “الوعود والتفاهمات المحتملة” للتهدئة والتي لم ترتقي الى مواقف جديدة معلنة للصدريين، والتي يشك الكثير من قادة الاحتجاجات بقيام “سرايا السلام” بتنفيذها، لا اعتقد ان الصدريين يمكنهم استرجاع ما خسروه سريعا من ثقة جزء غير صغير من الشارع وجزء غير صغير من المؤيدين والمتحدثين.
هنا نذكر ان الصدريين لم يضعفوا من خلال استهدافهم للمحتجين ومحاولة سيطرتهم على ساحات الاحتجاج، فقط موقعهم الشعبي ولا موقفهم السياسي التفاوضي مع بقية القوى السياسية، بل وضعوا مرشحهم محمد توفيق علاوي في وضع محرج هز قدرته على تشكيل الحكومة واربك حساباته الى حد التلويح بالاعتذار عن تشكيلها.
كما ان الصدريين بالتقلبات والمواقف غير المفهومة والأخطاء التي ارتكبوها في الأسابيع الأخيرة، جعلوا من انفسهم المسؤولين مباشرة عن الفشل المستقبلي لحكومة علاوي كونهم ظهروا كداعميه الوحيدين.
على الصدريين ان يدركوا ان تحقيق هدفهم بالسيطرة على معظم مفاصل السلطة، لن يتحقق بمجرد افراغ ساحات الاحتجاج من المحتجين الحقيقيين المطالبين “بوطن ودولة، وبانهاء الفساد ومحاصصة المغانم”، بل ان ذلك سيضعهم تحت ضغط القوى السياسية المنافسة الأخرى ما سيعطل مكاسبها، وحينها فان أي محاولة للصدريين لتصعيد الفعل الاحتجاجي، في الساحات الفارغة من المحتجين الحقيقيين وليس طلاب السلطة، ستجابه بحقيقة كونه احتجاج حزبي سياسي محدود وليس شعبي عام.
في النهاية يظل السؤال الكبير قائما: هل يمكن انهاء الاحتجاجات بالقوة، وفق تجربة الأشهر الأربعة الماضية وبوجود شبان وفتية يثيرون الدهشة بمدى استعدادهم للموت دفاعا عن احلامهم ومطالبهم التي يؤمنون بامكانية تحقيقها.
اضاءة: زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وجه في بيان حمل عنوان (ميثاق ثورة الاصلاح) ووقع باسم (خادم الاصلاح) بانسحاب القبعات الزرق من ساحات التظاهر وتسليم ملف حماية المتظاهرين إلى القوات الامنية. البيان الذي حمل 18 نقطة، كتب بطريقة توحي بانه “قائد السلطة والثورة معا”، وتضمن جملة مسائل اشكالية وجدلية وبعضها “مرفوض” من محتجين تحت سقف الحرية المدنية والاعتقاد الشخصي، لكنه ربما يعيد جزئيا رسم العلاقة مع المحتجين الحقيقيين!. وتظهر مفردات البيان (الميثاق) في عين الوقت ان الصدر لا يكاد يحاول الخروج من تناقض بسبب بيان له، حتى يقع في تناقض أكبر بسبب بيان جديد كمطالبته “بعدم تسييس التظاهرات لجهات حزبية” بينما يواصل منذ اربعة أشهر تسييس التظاهرات بتوجيهاته.