كنا نتطلع ان يكون 2021 عام اللقاح والخلاص من وباء كورونا، لكنه جاء مغايرا ً لهذه الآمال، فمنذ الاسبوع الفائت بدأت عدة حكومات دول العودة الى قرارات تقييد الحركة اليومية للناس بسبب ارتفاع مؤشر اعداد الاصابات بالوباء العالمي في الموجة الثانية، ويحصل هذا بالتزامن مع الاعلان العالمي عن فعالية لقاح فايزر.
ومع انتشار اخبار اللقاحات، تنتشر الآراء المتباينة حولها، كما تطرح العديد من التساؤلات عن فاعليتها وسلامتها، هل هي مخاطرة جماعية او ضرورة حتمية لاكتساب المناعة؟ هناك المؤيد المدافع المستميت عن ما يسميه “المعرفة العلمية”، وعلى المقلب الآخر هناك من يرفض اللقاح لأسباب ويدعو الى مقاطعته.. فكيف تتشكل المواقف إزاء القضايا العلمية؟.
تستدعي الآراء بشقيها، المؤيدة والرافضة، محاولة لقراءة أعمق تتخطى تقديم إجابات بسيطة بالقبول والنفي. وهذا المقال ليس دعوة للاصطفاف او لتبني هذا الرأي أو ذاك، بل مسعى بسيط للتفكيك والفهم.
يمكن تصنيف أسباب معاداة التلقيح الى اجتماعية- ثقافية، فقد يرفض العديد من الافراد اللقاح لانه يتنافى مع معتقداته الدينية مثلاً أو لانه يملك رفضًا متأصلا لكل ما هو علمي وجديد. أما النوع الاخر سياسي بامتياز، ناتج أولاً عن انعدام ثقة الشعوب بحكوماتها الذي تصاعد بعد أزمة كورونا ووصل الى ذروته مع فشل حكومات دول متقدمة كالولايات المتحدة، بالسيطرة على الوباء، وثانيًا، عن ربط بين امكانية الزامية اللقاح وتهديد الحرية الفردية للاشخاص وتبني بعضهم لنظريات المؤامرة.
قد يتضمن هذا الرفض، على اختلاف أسبابه، شيئًا من الايجابية، فهو يلفت الانتباه بشكل غير مقصود الى قصور المعرفة العلمية ونشأتها المختبرية التي تلبسها صفة الاختزالية.
لنتفق أولاً أن الحقول العلمية، الطبية والبيولوجية منها، تعتمد بالاصل على التجربة. لماذا اذا يعتبر البعض أن للاختصاصي الحق بإدلاء رأيه حصراً؟.
قد يضفي كثيرون طابع القدسية على كل ما يقوله الأطباء، ولكن هؤلاء ليسوا أنبياء، والتجارب العلمية لا تدور في فلك وحدها ولا تحدث في عالم يوتوبي متخيل، بل هي على علاقة وثيق بالاقتصاد، السياسة، العسكرة بالدرجة الاولى، وبالعلوم الاخرى بالدرجة الثانية. والايمان بها هو ليس ماورائيا، بل ايمان بامكانية حدوث المخاطر التي قد تفوق الايجابيات في بعض الاحيان، هو ايمان بالمخاطرة، بهدف التجربة نفسها بغض النظر عن مآلاتها.
والمعرفة العلمية هي ابنة المختبر بامتياز، لان الجزم بالنتائج الحاسمة والدفاع الأعمى عن ما يقوله الاطباء يتنافى جوهريًا مع أصل العلوم التي تنطلق من السؤال -التشكيك، لتصل الى النتائج – الاحتمالات النسبية. وبالعودة الى لقاحات كورونا، فإن نسبة فاعلية لقاح فايزر مثلاً، هي 95%، بالمقابل فان نسبة فعالية لقاح شركة سينوفاك الصينية لا تتجاوز نسبة 50.4٪. مما يعني أنه لا يمكن حصر نتائج أي لقاح بالايجابية وحسب، فالتلقيح لا يعدو أن يكون مجازفة تحتمل الخطأ والصواب وان بنسب مختلفة.