صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

لو كان صدام بيننا اليوم..

خروج العراقيين بالملايين الى الشوارع يوم ٨ آب ١٩٨٨ لم يكن فرحا بالانتصار على الفرس كما يحبُ أن يسميها البعضُ، ولم تكن نشوةً للفخر والعز، بل كان خروجُهم عفويًا هستيريًا لأنهم لم يكونوا على يقينٍ من انتهاء تلك الحربِ اللعينةِ التي حصدت مئات الالاف من المساكين، بل وكان تَخَيُلُ انتهائها من المستحيلات، فخرجوا ظناً بأن مآسيَهم ستنتهي وقلق الزوجة والام والابناء سينتهي وبياناتِ الهجومات بكلماتها التي كانت تنزلُ كالصاعقةِ على أسماعِهم ستنتهي، وصور الدماء والقتلى والدمار ستنتهي، وقوافل ولد الخايبة من أب وأخ وزوج وخال وعم وصديق وجار ستنتهي، وزغاريدَ الفرح الكاذبة باستقبال الجثث الطرية الغضة ستنتهي.. فأيُ نصرٍ هذا الذي يأتي على قلق وخوف وقهر وظلم الناس؟ وأيُ نصرٍ هذا الذي يُفرح القلوب وهي منكسرةٌ ومحطمة؟

‫فإلى أبناء الذين لو سمعوا بيانا لطلب مواليدهم للحرب تبلغُ قلوبُهم الحناجرَ رعباً، وامهاتهم وزوجاتهم اللاتي كن يلطمن الرؤوسَ والخدود خوفا وخلسةً على فلذات الاكباد، لانهم سيساقون الى الحربِ قسرا.. فمالكم ايها المغفلون وانتم تستذكرونها بفخرٍ واعتزازٍ وتمجيد.. مالكم وكأنكم سُكارى دون وعي تتكلمون وتمدحون.. إليكم أوجه كلماتي وانتم تفتخرون بتلك المأساةِ المريرة وتُهينون اهلكم وتستهينون بخوفِهم وباللحظاتِ العصيبةِ التي عاشوها وهم يستقبلون جثثَ الأحبة التي ذهبت ظلما دون ذنبٍ بحربٍ غبية لم تكن تستحقُ قطرةَ دمٍ واحدة، ومن الامس لليوم وأنا أقرأ البوستات والتغريدات التي تمجد الانتصار العظيم المزعوم، كنت اتمنى حقا ان يكون صدامُ موجودا اليوم وهو يطلب مواليدكم لحرب من حروبه كي أرى نظراتِ الخوفِ والرعب في أعينكم، ولأشاهدَ كيف كنتم ستحتفلون بـ”ياگاع ترابچ كافوري..”، وأنتم تُساقون كالبهائم دون ارادتكم لجبهاتِ القتال ودون أن تنبِسوا بِبِنتِ شَفة أو تعترضوا، تخيلوا بعد جيلين أن ابناءَكم سيفتخرون بخوفِكم ولحظاتِ سوقِكم للمعارك ورعبِكم ودمائكم في حرب كنتم وقودَها بلا ناقة او جمل.

‫فيا أيها المغفلون السذج لا تفتخروا بالحروب والدماءِ والتضحياتِ والأناشيد والشعارات الفارغة، فحربُ الثماني سنوات واحدةٌ من أغبى حروب العالم لأنها لم تكن مبنيةً على أسسِ الدفاع أو الهجوم، بل كانت حربا للفخر والكسب الإعلامي على حساب الملايين ودمائهم.

‫وفي نفس الوقت لا عتبَ عليكم فالمنظومةُ السياسيةُ التي جاءت بعد ٢٠٠٣ لم تعرف كيف تتعامل معكم وتنعش ذاكرتكم لزمن لم تكونوا جزءاً منه، ولم تستطع ان تُقدم لكم أُنموذجَ الدولةِ الحقيقية كي لا تتبجحوا بزمن الظلم والجور والقسوة وتفتخروا بكل سيئاته التي أكمل مشوارَها أغبياءُ سلطة اليوم، فلم يبنوا الدولة التي دمرتها حرب الثمانين وماتلتها من حروب.

استعينوا بالوعي لا الحقد..

أقرأ أيضا