صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ليس حكمة هذا الصمت

الذي اعرفه ان المثقفين والمفكرين والمبدعين هم الذاكرة الخصبة للزمن و الناس والمكان. فما الذي سيكون عليه موقف النخب من اكاديميين واساتذة كليات ورموز ثقافية واتحاد ادباء ونقابة صحفيين في مدينة الموصل من مشروع مجلس لصوص محافظة نينوى الهادف الى ازالة الموصل القديمة نهائيا وتحويلها الى مولات للنهب؟

هل الامر لا يعنيهم ايضا…؟

اليس المستهدف ذاكرتهم وتاريخهم وشخصيتهم ومورثوهم وقيمهم التي يتفاخرون بها؟ الا يقتضي ذلك تجمعا او موقفا او بيانا يعبرون فيه عن موقفهم؟ أم أن المسالة ليست بتلك الخطورة كما يتصور البسطاء من امثالنا؟

ان كتابة النصوص والقصائد والبكائيات النثرية بعد فوات الاوان لن تكون مناسبة لنيل كلمات الاطراء والاعجاب، ينبغي انقاذ مايمكن انقاذه، بالتظاهر، بالاحتجاج العلني.

يتوجب عليهم ان يلجأوا الى توعية الموصليين في المدينة القديمة على ان لايبيعوا بيوتهم.

أن يوجهوا الدعوة للاثرياء والمغتربين من رجال الاعمال والتجار من العوائل الموصلية الكريمة الى ان يساهموا بمشاريع خيرية او تعاونية لدعم المتضررين واعانتهم في اعادة بناء الدور المتضررة.

أن يحرضوا الناس على ان تقف بوجه مشاريع مجلس لصوص محافظة نينوى،وليكن على سبيل المثال كل يوم جمعة موعدا ثابتا يلتقون فيه عند الجسر العتيق ليعلنوا رايهم امام الفضائيات الى ان يتم افشال الاجندات المشبوهة التي ترمي الى ازالة المدينة القديمة ومحو تاريخها ومن ثم تحويل الارض الى مشاريع استثمارية لصالح عدد معين من المستثمرين ،والفرصة مازالت قائمة وعليهم ان لايضيعوها.

مضى عام على انتهاء عمليات التحرير ودخلنا في العام الثاني ، ومئات العوائل التي كانت تقطن الجانب الايمن مازالت تقيم في المخيمات،اوفي غرف صغيرة استأجرتها في الجانب الايسر من المدينة وعيون تلك العوائل تنظر عبر نهردجلة الى محلة الميدان وشارع فاروق وحضيرة السادة ومحلة باب الجديد وخزرج وراس الجادة وباب البيض لعلها ترى حركة تمنحها بصيص امل في ان الحكومة المحلية بدأت في اعمار المدينة المنكوبة،ولكن الايام تمضي ومامن شيء يحدث على الارض يحيي الامنيات المتيبسة.

المشهد الموصلي اليوم لم تعد تفاصيله خافية على احد ، وكل عمل مشبوه يشم فيه رائحة فساد الا وبات مكشوفا امام الملأ، فالصحف والوكالات الاجنبية نشرت عديد التقارير عن اموال تم تخصيصها من منظمات دولية ولم يتم العثور على اي اثر ملموس  لها في الواقع، كما ان النائب احمد الجبوري المسؤول عن لجنة تقصي الحقائق في المحافظة من قبل البرلمان العراقي قدم شهادته عبر الفضائيات وكشف بالارقام والادلة حجم الفساد الذي يعشعش في اروقة مؤسسات ودوائر المحافظة،ولم يتردد في ان يشير باصبع الاتهام الى المحافظ شخصيا والى تورطه في العديد من ملفات الاموال المخصصة لغرض الاعمار والتي اختفت ولااحد يعلم اين ذهبت .

ولكن الصمت الذي يغلف موقف كافة الفعاليات الثقافية والمجتمعية في المدينة هو الذي يثير الاستغراب،وكأن الامر لايعني مدينتهم ولامستقبل ابنائهم واطفالهم،حيث لم تشهد الموصل اي رد فعل من قبل هذه العناوين يعبر عن موقف رافض للاهمال الذي يعاني منه الجانب الايمن، او ازاء عمليات نهب الاموال،او ماتشهده مؤسسات الدولة الرسمية في المحافظة من شيوع للرشوة بشكل فاضح وعلني.

العارف بتاريخ المدينة يعلم جيدا ان الجانب الايمن يمثل شريان نينوى الاقتصادي ، كما انه يمثل الثقل المجتمعي بكل خصوصيته التراثية والتاريخية والفلكلورية،كما يشكل القاسم المشترك للوجدان الجمعي والذاكرة المحلية بكل ماتحمله من خصوصية،ولهذا سيكون الصمت على مايرتكب من تجاوزات وانتهاكات وسرقات وسلب لحقوق الناس مدعاة للتساؤلات : هل دافعه الخوف من سلطة تهيمن على المدينة بسلاح الترهيب والتخويف والتخوين تمنعهم من ان يرفعوا صوتهم احتجاجا على سوء اوضاع المدينة ؟ ، (هناك الكثير من الاحاديث تشير الى هذا العامل يتم تداولها بصوت خفيض بين الناس) . 

ولربما هي حالة من اليأس قد سيطرت عليهم بالشكل الذي ماعادوا يجدون اي جدوى بالاحتجاج .

ام ان مشاعر الانانية قد طغت عليهم طالما سلم رواتب الموظفين بعد العام 2003 بات جيدا ووفر لهم حياة مرفهة مما اضعف في داخلهم تلك الروابط الروحية التي كانت تجمعهم بمدينتهم  وبعامة الناس،خاصة الفقراء من الكسبة وعمال الاجر اليومي.

ومهما كان السبب فإن الحالة تعكس انتكاسة في الوعي،وقصورا واضحا في ادراك النتائج السيئة والخطيرة التي ستتمخض عنها مستقبلا.

فهل سنسمع في الايام القادمة صوتا يعلو من تحت ركام الصمت.

 

أقرأ أيضا