صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

مؤتمر الدعوة السابع عشر

الإنجاز الأكبر لمؤتمر الدعوة السابع عشر كان تنظيماً، نجح فيه الحزب العريق في الحفاظ على قواعد العملية التنظيمية، وحافظ على القدر الممكن من اصولها، مما سمح إجرائياً بعبور الأزمة، والمحافظة على الوحدة، والسير خطوة الى الامام في التكامل بين الأجيال.

لم يكن بالامكان ان نفعل جميع ما كنّا نطمح اليه، وتناول الدعاة في مؤتمرهم ما كان ممكناً، وخضعت فيه الدعوة للكثير من اشتراطات المجتمع، والبيئة السياسية، ودرجة استقرار الدولة العراقية بشكل عام.

كان هذا هو المؤتمر الاول بعد صدور قانون الاحزاب ٢٠١٥، والأول في مرحلة الحكم، بحسب فكر الدعوة، خارج ممارسة السلطة من خلال الموقع الاول (رئاسة مجلس الوزراء)، والأول على اكثر من صعيد، منها درجة التواصل والانفتاح بين الدعاة، واستخدام وسائل التواصل الحديثة، والتحضير الجيد، والحراكات، والأوراق، والملتقيات التداولية.

بل شهد الحزب تجربة القائمتين الانتخابيتين، وهي تطور إيجابي نحو المزيد من الوضوح والشفافية في التنافس بين الاتجاهات، وجماعات الراي، والسياسات، والشخصيات من الدعاة ذوي النفوذ، والشعبية داخل الحزب.

والمؤتمر مارس عملياً، ما دعونا اليه وكتبنها في الورقة المقدمة لمشروع (تجديد فكر الدعوة) عن المحورية الايجابية، والمحاولة التي قمنا بها لفهم وتحليل الظاهرة، ومحاولة التعامل معها بواقعية. وإذا كان ثمة نقص، او اخطاء، فتتعلق بالمرحلة وشروطها، وحداثة الممارسة، وتدرب الدعاة على التعامل معها.

فيما يتعلق بالتكامل الجيلي، جرى التغيير على خلفية التنافس المحوري، وليس الإعمار والطاقات والأفكار، لان الثلاثة الاخيرة كانت تحتاج الى تحضير طويل، ووجود جيل يمثل نفسه، مما افتقد اليه المؤتمر العام، تفرعاً على تنظيمات الحزب.

وجود الإمانة العامة والامين العام كان من ضرورات المرحلة ايضاً، وهنا اعيد تاكيد ما كنت طرحته من ملاحظة حول تسمية الموقع، ومن ان الإمانة العامة تناسب الجماعة الدعوية، اسماً وعرفاً ومواصفات. بينما تسمية (رئيس الحزب) تناسب الحزب السياسي الذي تكون نشاطاته السياسية هي الغالبة على طبيعة مهامه، خصوصاً في ظل تمثيل الرئيس لمشروعه السياسي والانتخابي. وهو حال الدعوة اليوم بالرغم من ان أوساط كثيرة في الدعوة تجادل في ذلك.

بدا المؤتمر العام وكأنه يستبعد او يرحل النقاش في مشروعه السياسي، ربما بسبب انتظار حسم مراكز القوى، وتحضير المؤسسات الحزبية التي تتولى هذه المهمة. وأساس الأزمة (٢٠١٤-٢٠١٩) كانت تتلخص في قدرة المؤسسات الحزبية على التحكم في مشروع وأداء قيادات الحزب السياسية.

الواقعية السياسية والحزبية كانت طاغية، ولَم يكن المؤتمر معانداً لحقيقية قوة قيادات الدعوة، المتأتية من مجموعة عناصر منها ما هو تاريخي، وحزبي، ومنها ما يتعلق بالحضور السياسي والإمكانيات والنفوذ في الدولة والشعبية الجماهيرية.

مؤتمر الدعوة العام رعى الكيان، وحفظ التنظيم الحزبي، وغاب فيه المشروع المستقبلي، وكل ما يتصل به من تحديث النظرية والخطاب والهيكلة التنظيمية والبرنامج التأهيلي الداخلي للدعاة، والبرنامج السياسي الاقتصادي للدولة، مما يفترض ان المهمة ستقع على عاتق الهيئات المنتخبة وقادة الحزب الجدد.

يتوقع في الدورة الحزبية القادمة، ان تكون العلاقة اسهل، وأكثر تفاهماً بين موسسات الدعوة المسؤلة عن قرارها السياسي، وبين مشروعها السياسي المرشح للتنافس في الانتخابات العامة القادمة (٢٠٢٢) والانتخابات المحلية لمجالس المحافظات. وهذا ما يتوقع ان يضع القيادات السياسية في اختبار حقيقي للمصداقية و الكفاءة والاداء بشكل عام.

امام شورى وقيادة وامانة الحزب مهام مضافة جديدة تتمثل في انتاج مادة فكرية وثقافية يتماسك حولها التنظيم، وإعادة انتاج نظرية عمل تتجاوز نظرية (المرحلية ) وتطور فرضياتها، وصياغة خطاب سياسي وإعلامي واجتماعي يتدرب عليه الدعاة لا سيما الأجيال القادمة منهم.

توفر المؤتمرات الحزبية عادة، فرصة للقياس والمراجعة للمنجزات وسرعة التطور، ومقدار الاستجابة للتحديات الماثلة او المفاجئة أو المتوقعة على الصعيد السياسي. وبهذا القدر فان مؤتمرات الدعوة مدعوة لتطوير قدرتها على المراقبة، والنقد، والتعديل، والابتعاد عن الشعبوية والانفعالية قدر الإمكان، لصالح العقلانية، والعلنية والمنهجية، وهذا ما يحتاج الى التاهيل والتدريب الحزبي المستمر.

لقد نجح المؤتمر السابع عشر في عبور الأزمة، وكانت مخرجاته منسجمة مع واقع الدعوة، ونجح في صيانة تنظيم حزبي كبير لا يزال يبحث عن مشروعه ومجال عمله ونظريته المسقبلية وجداول مهامه في بناء الدولة وتنمية المجتمع العراقي.

ادعوة جميع اخوتي الدعاة الى الايجابية على كل حال، ونكران الذات، والنظرة الكلية العميقة والبعيدة والمسؤولة لطبيعة التطور الذي نعيشه على طريق الدعوة لمبادئ الاسلام العظيم، ومكارم الأخلاق، وتعزيز القيم الاجتماعية، والوفاء بالعقد الاجتماعي والسياسي مع ابناء هذا الشعب العريق الذي يتنظر منا الصدق والمصداقية، وهو علينا صبور.

أقرأ أيضا