في نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي استطاعت الشعوب الإيرانية أن تحقق أولى الثورات الحقيقية في المنطقة، جاءت هذه الثورة بعد ان هَيأ لها فكرياً العديد من المفكرين الكبار وعلى رأسهم الشهيد علي شريعتي، ودينياً رجال الدين من امثال آيات الله الخميني ومحمد بهشتي ومنتظري ورفسنجاني والخامنئي، وتحرك لها الملايين من الإيرانين عبر مظاهرات بدأت عام 1977 وانتهت بزوال الشاه عام 1979 بوصول الإمام الخميني وتوليه منصب المرشد الأعلى للثورة الاسلامية.
يعتقد الكثير إن الدور التنظيري والفكري الذي قام به علي شريعتي، هو أحد العوامل الرئيسية التي هيأت جيل كبير من الشباب المتعطش للتغيير وإزاحة فترة الحكم القاجارية وآخر ملوكها الشاه محمد رضا بهلوي، يضاف إلى ذلك التغذية الروحية والشحن المعنوي والديني والثوري الذي قام به آية الله الخميني من خلال الخطب والنداءات التي كان يرسلها من فرنسا إلى الجماهير الثائرة في كافة المدن الإيرانية.
كما يتفق الكثير بأن الثورة لم تكن من صنع قائد واحد أو جهة واحدة،بل هي نتاج لمجموعة كبيرة من التحركات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، مارستها قوى المعارضة لحكم الشاه بعد سقوط حكم محمد مصدق في الخمسينيات من القرن الماضي، لكن رجال الدين إستطاعوا أن يديروا دفة سفينة الثورة، من خلال تسميتها بالثورة الاسلامية وتعيين مرشد أعلى لها مع إعطاء أدوار أخرى لبقية القوى المدنية التي ساهمت في قيام الثورة.
يقول مهدي بازركان أول رئيس للوزراء في الحكومة الانتقالية عام 1979، لم تكن هناك شخصية محددة نستطيع ان نقول انها إنفردت بالتهيئة وقيادة الثورة، بما فيهم علي شريعتي الذي قتل في لندن عام 1977 والذي كان احد أهم المفكرين الذين ساهموا من خلال محاضراتهم وكتبهم بتحريك الشباب وتنظيم صفوفه على مد ى السنين الخمسة عشر التي سبقت الثورة، وأيضاً آية الله الخميني الذي نفاه الشاه وعاش لفترة من الزمن في العراق ثم ذهب الى فرنسا، ليساهم في قيادة الثورة وتحريك الجماهير الايرانية ضد حكم الشاه. يستنتج مهدي بازركان ان الجميع ساهم في قيام الثورة بما فيهم رجال البازار الذين ساهموا كثيراً في دعم الثورة الإسلامية بعد إنقلابهم على حكم الشاه.
يقول أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية الاسلامية عام 1979-1981، في اخر لقاء له مع قناة روسيا اليوم، عندما عدت من فرنسا أنا والامام الخميني على متن الطائرة الفرنسية قمنا بدفع أجرة الطائرة ولم نقبل بأن يكون أي دور لفرنسا،لإننا كنا نعلم جيداً ان فرنسا كانت قد نصحت الشاه بقتل الخميني في فرنسا لكنه رفض الفكرة خوفاً من تفاقم الوضع وخروج الامور عن السيطرة. لاحظ التغير في كلامه بعد مرور اربعين عاماً على الثورة يقول بني صدر و يتمنى لو أن الشاه قام بالإصلاحات الضرورية ولم تقم الثورة الاسلامية لانها اصبحت ثورة قمعية، اكلت ثوارها الحقيقيين وحرمت الشعوب الإيرانية من فرص الحرية والنجاح وزجت بهم بحروب خارجية لا تنتهي.
خلاصةً، يمكن القول إن حلم القائمين على الثورة الإيرانية تحقق الى حد ما، لكن المشكلة في إمكانية إيران بالاستمرار بالحفاظ على توسعها وتصديرها للثورة، وضع إيران الحالي يمكن أن يودي بها الى مربع الفوضى والاندحار الذي كانت تعيشه قبل بداية الثورة واثنائها، ايران تتقدم وتتسع رقعة هيمنتها اقليمياً… ايران غير قادرة على التراجع… من الصعب أن تتخلى ايران عن إنجازاتها التي بقت لفترة طويلة مؤجلة إلى أن سقطت الدولة العراقية عام 2003، حيث استطاعت ايران ان تحقق جميع اهدافها في غفلة أو في تهاون القوى العظمى.
اليوم ايران في أصعب مراحلها.. اذا استطاعت ان تفلت من عقوبات امريكا وتتجاوز شبح الحرب مع الغرب الذي يخيم على اجوائها، فإن ثورتها ستدوم وستهيمن أكثر على المنطقة برمتها، أما اذا نفذَ الغرب تهديداته وبدأ حرباً مع ايران فان هذه الحرب ستكون كارثية على إيران والمنطقة وربما تكون أكثر ضرراً على المنطقة من احتلال العراق عام 2003.