صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ماذا ننتظر من عبدالمهدي؟

بعد ساعات ستظهر كابينة عادل عبد المهدي التي ستضم حتما شخصيات جديدة ربما لم يسمع الكثير بها، على المستوى النفسي والمعنوي للعراقيين سيكون هذا التغير مؤشراً جيداً يمكن البناء عليه، قد يتفق الكثيرمعي، أنّ مشكلة الإدارة في العراق ليست مشكلة أشخاص،بل هي بالدرجة الأولى مشكلة تدور حول بناء منظومة القيم المؤسساتية التي يستطيع من خلالها مجموعة الوزراء والمدراء العامين والموظفين الكبار نزولاً إلى موظفي الإستعلامات تطبيق ما عليهم بطريقة مجردة كلياً عن ولاءاتهم وإنتماءاتهم .

تدريب وتهيئة مجموع الكادر الوظيفي بكل مسمياتهُ في العراق هي المهمة الأمثل والأسلم لعادل عبد المهدي، ما يتطلبه هذا الكم الكبير الذي تحويه الوزارات والمؤسسات العراقية، أولاً هو التدريب النفسي والأخلاقي لأداء واجباتهم، قد يحتاج عادل عبد المهدي أن يقلد بعض التجارب الناجحة التي استطاع من خلالها بعض الزعماء تغيير خارطة دولهم الإقتصادية والسياسية والاجتماعية، خير الأمثلة التي تدور في ذهني وأجدها قريبة إلى التطبيق في العراق، هي تجربة محمد مهاتير مطور ومحدّث ماليزيا.

في أحد المنتديات في الديوان الملكي الاردني في عمان وبحضور الأمير الحسن ومجموعة كبيرة من الإقتصاديين والسياسيين، يشرح مهاتير للأردنيين تجربته، هذا القائد الإداري الذي إستطاع أن يقلب الموازين ويحوّل دولة تعتمد إعتماداً كلياً على زراعة المطاط إلى دولة صناعية كبرى، تنافس الآن في معدلات النمو الإقتصادي كثيراً من الدول المتقدمة، أول ما ذكر هذا القائد في كلمته، إنه إستطاع من خلال التدريب المتواصل، أن يُغرس في عقول الكادر الوظيفي الماليزي عناوين مهمة خاصة بالقيم الإجتماعية والأخلاقية،ويشرح بعدها التعامل الواقعي مع المجتمع الماليزي الذي يتشكل من المالاويين 60% الهنود 20% الصينيين 20%، بنظرة ثاقبة لطبيعة وسلوك المجتمع الماليزي إكتشفَ محمد مهاتير،إن المالاوي يتميز بالكسل عكس الصيني والهندي اللذان يتميزان بالنشاط والحيوية، فجعل من الهنود والصينيين مدراء ومن المالاويين موظفين وتلاميذاً لهم على الرغم من إنه ينتمي للمالاويين، بهذا التصرف إستطاع أن يتجرد ويتخلص من أخطر أعداء النجاح ألا وهو المحسوبية والتبعية.

بعدها استطاع أن يختار نوع الصناعة التي ستتبعها ماليزيا لحل مشكلة البطالة وتقليل الإعتماد على الزراعة، فكانت الصناعات الكهربائية التي تميزت بها ماليزيا، فكلنا كنّا نجد في اسواقنا على مدى الأربعين سنة الماضية الأجهزة الماليزية الكهربائية بمختلف أنواعها، اختياره لهذا النوع حدّ من معدلات البطالة التي كانت موجودة في ماليزيا كون هذا النوع من الصناعة يحتاج الكثير من الأيادي العاملة .

معظم الدول التي إستطاعت أن تتطور وتتجاوز مرحلة التخلف، إتبعت نموذج التقليد للتجارب الناجحة في العالم أو في محيطها، بدءً من اليابان التي إقتبست التجربة الأوربية والأمريكية ومن ثم كوريا التي نَظرتْ إلى اليابان المتطورة فإختصرت الطريق وقلدتها، ومن ثم ماليزيا وبقية النمور الآسيوية التي إختلست أو سرقت من التجربة الكورية واليابانية وحَققتْ طفرات في النمو الإقتصادي.

قبل أن أُعرج إلى عادل عبد المهدي وحكومته الجديدة دعوني أستشهد بما قالهُ المفكر الجزائري مالك بن نبي (الفرق بين العرب واليابان، إن العرب ذهبوا إلى الغرب كزبائن واليابان ذهبت إلى الغرب كتلاميذ).

عادل عبد المهدي لديه فرصة، فرصته تتمثل بأن هناك جواً عاماً يدفع به نحو التصحيح للمسيرة الفاشلة التي تميزت بها الحكومات العراقية على مدى السنوات الماضية، بعيداً عن مهلة المائة يوم والسنة التي يحاول البعض أن يُنذر عادل عبد المهدي بها،ببساطة أقول إذا أرادَ عبد المهدي النجاح في مهمتهِ عليه أن يعمل (عكس ماعملَ مجلس الحكم وعلاوي والجعفري والمالكي والعبادي) العكس يعني أن يضع أهدافاً ويراقبها من خلال مؤشرات معتمدة، وأن  يدربْ ويهيء مجموع الكادر الوزاري أخلاقياً ونفسياً، وأن يعطي دوراً لعلماء النفس والإجتماع لدراسة المجتمع العراقي وتصنيفه على أساس القدرات والكفاءات والإمكانيات ومن ثم يضع كلٍ  في مكانهُ المناسب، وأن يقلّد التجارب الناجحة في المنطقة،  وعلى مستوى المراقبة والمحاسبة أن يراقب نفسه ووزراءه من خلال بطاقة الإداء المتزنةBalanced Service Card التي تتبعها معظم الدول المتقدمة في العالم.

هناك الكثير ليعمله عادل عبد المهدي وحكومته المنتظرة ُ، لكن البداية يجب أن تكون رصينة وتؤسس لمرحلة قد تطول إذا وجدت من يضع العصي في دواليبها، وقد تقصر إذا تعاون الجميع معها وعبدوا الطريق لها.

Mayesh21@gmail.com

أقرأ أيضا