واضح أن السياسي الشيعي في حالة انعدام الوزن السياسي ودخل بوابة الانسداد فاقدا الأهلية معولا على انتخابات قد لا تكون نظيفة هي أمله في العودة للكرسي الذي قد لا يستحقه أبدا.
ذلك أن السياسي الشيعي:
1. لا هو مضى في المشروع الأمريكي الاوربي الذي أزاح له نظاما وسلمه الحكم، مستكملا ما بدأه معه من بناء الدولة ومؤسساتها وضمن منطق دولي معتدل يجمع العراق مع غيره على وفق المصالح المشتركة والاحترام المتبادل مغتنما القوة التي تدعمه، بل بات يشخصن علاقاته الدولية والإستراتيجية على أهداف غير واضحة.
2. ولا هو عاد إلى صندوقه الايديولوجي فالتحق بإيران ممهدا لشيعية عالمية عصرية مركزيتها دولة حقيقة وازنة بنظام فريد هو ولاية الفقيه، وسيشكل مع العراق قوة كبيرة قد تنجح، ولا هو أخذ بالأردوگانية بوصفها صيغة توفيقية بين الدين والعلمانية والعثمانية الجديدة، أو المقاربة الإخوانية التونسية الجريئة التي تقترب لروح الدولة المدنية العصرية، ولا بالطفرة النوعية التي تحاول السعودية القفز بها، بل بات أثر السياسي الشيعي سيئا حتى على صديقته إيران التي انشطرت داخليا إلى ثلاث وباتت حائرة أمام عدم انضباط الداخل العراقي واهتزاز السيطرة عليه في حصار دولي خانق عليها.
3. ولا هو التحف بعباءة المرجعية الدينية الواسعة ذات الدور المحوري بعد 2003 والدفاعي الناجح في 2014، وذات الدعوات المدنية الأقرب للدولة والشعب، والإدارة الناجحة للمشاريع الاستثمارية والاستراتيجية وذات العقل البارد والهادئ المعتدل في دعم وإرشاد حركة الاحتجاج التشرينية ضمن سياق القانون.
4. ولا هو اجترح طريقا جديدا في بناء الدولة خاصا به، فهذا مما هو عسير عليه لأن الإدارة علم والاقتصاد علم والتنمية علم والتخطيط علم والسياسة جُماع هذه العلوم وأعقدها في تاريخ العقل الإنساني، وهو خلو من كل ذلك والأدهى والأمر أنه لم يعتمد على مؤسسات استشارية رصينة وعلمية مستقلة كما لم يسمح لقادة وازنين علميا وسياسيا وحتى أخلاقيا ومعرفيا مثل الجلبي أو مهدي الحافظ أو عامر عبد الجبار أو الباججي أو العلوي وفالح عبد الجبار وغسان العطية وغيرهم من أفذاذ جامعاتنا العراقية أن تكون لهم كلمة في الدولة التي كانوا سببا بوقوفها كما لم يحذُ السياسي الشيعي حذوَ ما فعلت كردستان لنفسها استشاريا أو دول الخليج مثلا.
5. وبعد الانتصار على داعش لم يسعه تكالبه على السلطة وفساده الذي صدم العالم وكان آخر المذهولين سفير هولندا إلا أن يقيل رئيس وزراء نجح في إدارة الحرب وتحرير الموصل وعبر الأزمة الاقتصادية بنجاح ومنع تقسيم العراق (استفتاء كردستان) وحافظ على كركوك بطرق سلمية ومنع امتيازات الرئاسات الثلاث وقلل رواتب الأغنياء لصالح الفقراء وتوازن دوليا في علاقات مميزة وأجرى اتفاقات منها الاتفاقية الصينية ذائعة الصين.(وما هي إلا مذكرات تفاهم جيدة وليست اتفاقية بالمعنى القانوني الدولي كما زعم بعضهم وادعاها).
إنما أوقفوا استكمال مشروع الدولة الواعد، وجاؤوا عنادا بعده برئيس وزراء يبدو مكتنز التجربة السياسية مثقفا، فقد كان ابنا للترافة الملكية ثم شيوعيا متحمسا فمسؤولا بعثيا في جهاز الحرس القومي الشهير ثم متحزبا إسلاميا فقياديا في أهم مؤسسة معارضة (المجلس الأعلى).
وهو كذلك منظر بارع ولاسيما في الاقتصاد، مدرك فعلا لكثير من خباياه بحسب كتاباته لذا أُطلق عليه لقب دكتور وارتضاه برغم أنه لم يحصل على شهادة الدكتوراه، ومع أن الرجل خرج من فضيحة بنك الزوية إلا أن السياسي الشيعي ذاته ظل يبتزه، ومضى الرجل لقيادة الدولة في 2018 بكل ثقة واتزان وارثا من حكومة خرجت من حرب طاحنة 14 مليار دلر ودولة واقفة مجددا على أرض صلبة فعمل عبدالمهدي بجد وهدوء ونوايا جيدة واستكمل وافتتح آفاقا مهمة في الزراعة والاستثمار ودعم القطاع الخاص وتقليل نسبة البطالة وتقنين بعض القوانين المهمة كقانون الحشد الشعبي لكن سرعان ما افلتت الأمور من يديه لاستغراقه في التنظير والمثالية السياسية بدل الواقعية والارتهان لغير الموثوق بهم حتى انفجرت حركة الاحتجاج وتداعت الأمور لمخاطر مزلزلة كان من بينها استشهاد ما يزيد على 600 مواطن، وكذلك استشهاد قائدين مهمين هما المهندس وسليماني، في حادثة تقول التقارير أن الطائرة القاصفة حصلت على الإذن من مكتب القائد العام للقوات المسلحة في سياق متبع، ثم تعقدت الأمور أكثر فانسحب الرجل بهدوء لكن البلد كان منهارا بما تقدم وبالوباء وتدهور الاقتصاد وارتفاع مستوى الفقر (المثنى 52 بالمائة وتقاربها نسب الجنوب)، وكانت مرحلته هي انتهاء مرحلة الثقة الهشة أساسا بين الشعب والساسة.
ثم تعمد السياسي أن يولي رجلا غير قوي فوليها الكاظمي وما هو إلا وارث أزمات متراكمة لا يتحمل مسؤوليتها وهو من الضعف بحيث لن يصنع إلا ما أرادوه منه ورضي هو به وعلى رأس ذلك الانتخابات.
وإذا لاحظنا السياسي السني فإنه جرب الخطأ والخطيئة مرارا فظلم المواطن السني، لكنه توقف بيد أنه لم يبدأ البداية الصحيحة حتى الآن!
أما الكردي فهو قسيم من لا يقاسمه من شيعي أو سني، وهو على محجة التوازن الدولي بواقع خدمي يضاهي أفضل الدول بعيدا عن سوء الوضع في بقية العراق ولاسيما الجنوب، لكن المسيرة الديمقراطية مهددة أيضا بسبب الفساد والفقر لكن يبدوا أن الديناميكية السياسية الكردية ستنقذهم مجددا.
قد تكون دعوة الحكيم لعقد سياسي عراقي جديد، حلا جيدا بشرط ألا يظل حالة خطابية مكرورة بل مشروعا سياسيا علميا عميقا.
ويظل سؤالنا ماذا يريد السياسي الشيعي؟ ماذا يريد الذي بدأ الحملة الانتخابية منذ الآن مستعيدا للإعلام الصبياني مصطلحات عبرها الشعب بأنهار من الدم والعرض والمال منذ 2005؟ ماذا يريد السياسي المرتعد من ظهور ابنة الرئيس الذي مافتئ يذكرنا به؟.