في السابع من تشرين الأول ١٩٥٩ حاول البعثيون اغتيال “الزعيم” عبد الكريم قاسم كجزء من خطة للسيطرة على حكم العراق، وبعد أن فشلت المحاولة اعتقد كثيرون أن قاسم سيكون أكثر تساهلا مع الشيوعيين الذين كانوا يحذرون قاسم من البعثيين والقوميين بصفتهم خطرا على الثورة ونظامها ومكاسبها بعكس نظرة قاسم بأن الشيوعيين هم الخطر، لقد كان متوقعا جدا قيام قاسم بشن حملة على البعث ورموزه، خصوصا في مؤسسات الدولة وبالذات العسكرية، لكن شيئا من هذا لم يحصل فقد استمر قاسم في حملاته ضد الشيوعيين وبدأ بتقريب البعثيين والقوميين خاصة العسكريين منهم لكسب ودهم أولا ولإحداث توازن يعتقده ضروريا لإدامة سلطته.
الكاظمي بعد تعرضه لمحاولة اغتيال معروفة الدوافع والمخططين والمنفذين أدلى بتصريحات هادئة ومسترخية وتصالحية لاتتناسب مع الحدث ولا البيئة السياسية العراقية، وقد فهمه كثيرون دليلا على الحكمة والأناة، إن رد فعل الكاظمي يعود لعدة عوامل أهمها خلفيته السياسية والفكرية وطبيعة تحالفاته ومصالحه والملتفين حوله، وهو رغم الفرق الكبير بينه والزعيم قاسم، وكذلك تباين الظروف السياسية بين السائد في العام ١٩٥٩ والوضع السياسي اليوم، لكن ثمة تشابها لأسباب رد فعل الكاظمي مع رد فعل الزعيم قاسم، الذي كان يرغب بإدامة بقائه في السلطة عن طريق إيجاد دور سياسي له بين الشيوعيين أصحاب القاعدة الشعبية وبين القوميين والبعثيين النافذين في مؤسسات الدولة، وخشيته من اتخاذ أية إجراءات راديكالية ضد البعثيين تجعله أسير الشارع المعادي لهم، مما يتطلب إجراءات سياسية واقتصادية لا مصلحة له فيها، وهو ما يشابه موقف الكاظمي الذي يرى مصلحته ودوره السياسي وإدامته بلعب دور الوسيط بين المصالح الأميركية والمصالح الإيرانية متجنبا مس الفصائل المسلحة التي تمثل ذراعا من أذرع تلك المصالح.
إن التوقعات باتخاذ الكاظمي إجراءات جذرية ضد الفصائل المسلحة على خلفية محاولة اغتياله والدعم الذي حصل عليه من الولايات المتحدة ودول العالم وحتى مجلس الأمن ليست واقعية وهي تنطلق من آمال ورغبات أكثر منها توقعات محسوبة، فالذين يرون أن أميركا ستستغل الفرصة السانحة وتقضي على هذه الفصائل مرة وإلى الأبد، يفترضون أنها كانت تنتظر الفرصة وبما أن الفرصة جاءت فلن تتردد في تنفيذ رغبتها وسط تأييد دولي ومحلي.
إن رغبة الولايات المتحدة باستئصال الجماعات العراقية المسلحة وبافتراض قدرتها على ذلك تصطدم بضرورة توفر أداة محلية، إن لم تلعب دورا عسكريا فاعلا فلابد من دور سياسي فاعل يوفر الغطاء لعمل عسكري أميركي أو دولي، وهذا يمر بالضرورة عبر الكاظمي الذي في رأيي لا يميل لذلك ولا يجد مصلحة له فيه إذ لا يملك مشروعا سياسيا بديلا يمثل رافعة لتغييب القوى المسلحة الموالية لإيران والأوضاع الناشئة بعد ذلك، فالكاظمي يجد نفسه مرتاحا وراضيا كوسيط بين المصالح الأميركية والإيرانية، الأمر الذي لا يكلف سوى التنازلات بين الحين والآخر من سلطته ومن حساب العراق، وليس حسابه الشخصي وهو قادر على ذلك ,فلماذا يذهب إلى خيار يتعارض مع تصوره لمصالحة ولا يناسب تفكيره السياسي ويتطلب إرادة وحزم غير متوفرين وعواقب سياسية لا يستطيع التعامل معها.
الكاظمي سيستخذي أمام الميليشيات كما فعل قاسم مع البعثيين ١٩٥٩ وسوف يذهب لحل تصالحي، هكذا تقول تجارب التاريخ، ولن تنفع كل الحقن والعروض الأميركية والأممية.
عندما يتعرض الإنسان للهجوم فإما أن تستثار عنده قوى التحدي فيبادر لهجوم مضاد، أو يشعر بالضعف إزاء خطر لا يرى نفسه قادرا على مواجهته، فيلجأ لمهادنته واسترضائه، وهذا ماسيفعله الكاظمي.