هل ستحسم عودة ترامب هذا الصراع؟
سيبدأ دونالد ترامب ولايته الثانية في مواجهة صراعات خطيرة في الشرق الأوسط، فالحروب الكارثية في غزة ولبنان والصراع المباشر بين إسرائيل وإيران.. كل هذه الأمور تهدد بإثارة صراعات طويلة وواسعة النطاق.
وفي حين تعهد الرئيس الأمريكي القادم بإحلال السلام في المنطقة وإخراج الولايات المتحدة من الصراعات العسكرية في الشرق الأوسط، فإن حماس بنيامين نتنياهو لتأسيس شرق أوسط جديد بالقوة العسكرية، وحسابات طهران الصعبة، قد تورط الولايات المتحدة بمواجهة مباشرة مع إيران لصالح إسرائيل.
إن المكاسب التكتيكية الكبيرة التي حصلت عليها إسرائيل في صراعها مع إيران وحلفائها في غزة ولبنان قد ضاعفت الغطرسة الإسرائيلية، ودفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى الإفصاح عن رغبته في تحقيق “الشرق الأوسط الجديد”، لاسيما وأن إسرائيل الآن تشعر بالضعف الإيراني الذي يعود إلى إحجام طهران عن الرد على هجومها الأخير حتى الآن، ومع تدمير أنظمة الدفاع الجوي الإيراني والزخم العسكري الهائل لإسرائيل، فقد يرى نتنياهو أن الظرف مناسب للغاية للتخلص من إيران في ضربة كبرى، لكن دونالد ترامب طلب من تل أبيب التريث وعدم القيام بأي رد عسكري آخر ضد إيران حتى يتولى منصبه في يناير 2025.
لكن هذا لا يمنع أنه من الممكن أن تستغل تل أبيب هذه الفرصة وتشن هجوما عسكريا على إيران في الفترة ما قبل تنصيب ترامب، وقد يراهن نتنياهو على ضعف إدارة جو بايدن في هذه المرحلة، وعلى فرصة أن وضع إدارة ترامب المستقبلية تحت ضغط لدعم إسرائيل في مواجهة أكبر مع إيران.
ومن الممكن أن يقتنع ترامب بدعم إسرائيل في القتال ضد إيران لتعزيز موقف واشنطن في التفاوض المستقبلي مع طهران والتوصل إلى صفقة رابحة أكثر من الاتفاق النووي السابق من وجهة نظر دونالد ترامب.
أما بالنسبة لإيران فإنها في مرحلة جس نبض دونالد ترامب تجاهها، بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، ارسلت طهران بعض الاشارات التي تفيد بانها مستعدة لخفض التصعيد مع الادارة الامريكية القادمة وهو ما يعني خفض صراعها مع إسرائيل.
ومؤخرا، صرح الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود پزشكيان قائلا “إيران ستضطر إلى التعامل مع الولايات المتحدة، لذا فمن الأفضل أن نُدير هذه العلاقة بأنفسنا”، مما يشير إلى أن إيران منفتحة علي الدبلوماسية المباشرة مع الولايات المتحدة، كما أظهر ترامب بعض المرونة تجاه إيران عندما صرح قائلا “أنه لا يسعى إلى تغيير النظام في إيران بل يركز بدلا من ذلك علي إيران خالية من الأسلحة النووية”.
وإذا أثمرت هذه الإشارات بين واشنطن وطهران عن تقدم ايجابي، فحينها من الممكن أن يلتقط الشرق الاوسط انفاسه لبعض الوقت، ولكن إذا شعرت طهران بأن إدارة ترامب القادمة ستُكمل نفس النهج المتشدد تجاه ايران، في مقابل تأمين الدعم الكامل لاسرائيل في حربها الحالية دون العمل علي وقف إطلاق النار في غزة ولبنان.. فحينها ستفهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن الهجوم الإسرائيلي الأخير ضدها كان مجرد بداية لهجمات أوسع نطاقا وأكثر قوة، ضمن خطة إسرائيلية أكثر شمولا وبدعم من إدارة ترامب.
حينها سيكون من المرجح أن تهدف طهران إلى استعادة توازن الردع مع إسرائيل قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى البيت الأبيض، لتأسيس بداية لخطوط حمراء جديدة بين طهران وواشنطن أيضا… وفي حين أن إيران وحلفاؤها الآن في أكثر اوقاتهم ضعفا لكنهم مازالوا يحتفظون بالقدرة على مهاجمة إسرائيل والقدرة على التغلب على الأنظمة الدفاعية الجوية الإسرائيلية، والدليل على ذلك التقارير التي تُفيد باستعداد الحوثيين في اليمن وفصائل المقاومة الإسلامية في العراق لاحتمال اندلاع صراع أوسع نطاقا.
في النهاية لابد من إدراك أن الخطر الأعظم يكمن في فترة “البطة العرجاء”، لرئاسة جو بايدن، حيث من المتوقع أن تحاول كل من إسرائيل وايران امالة ميزان القوى قبل تولى ترامب منصبه.
وفي حين يتوقع الكثيرين أن دونالد ترامب يريد انهاء الصراع في الشرق الاوسط وانه من المحتمل أن يقوم بالضغط على إسرائيل من أجل التراجع عن حماستها لاستكمال حروبها وصراعاتها مع إيران، وفي الوقت نفسه سيقوم ترامب باحتواء إيران تارة وترغيبها في تخفيف العقوبات، وتهديدها تارة أخرى بأن تجدد الصراع مع إسرائيل سيجدد سياسة الضغط الأقصى الذي انتهجتها إدارته في فترة ولايته الأولى (2017:2021)، لكن يرى آخرون أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب إلى جانب رغبة نتنياهو في صراع أكبر لتحقيق نصر عسكري ضد إيران، وتصميم طهران على إعادة إرساء الردع في مواجهة تل ابيب، يعني أن الشرق الأوسط لابد وأن يتوقع أياما مقبلة محفوفة بالمخاطر.