تتعرض الديمقراطية العراقية إلى أصعب إمتحان لها على مدى الخمس عشرة سنة الماضية، الوضع الحالي يرسم صورة ضبابية لمستقبل العراق، يمكن وصف او تشبيه تشكيل الحكومة العراقية المقبلة بأنه اصعب من توقيع معاهدة سلام بين اسرائيل والفلسطينيين، وفي حال تم تشكيلها ستكون معرضة للإنهيار والتحلل حالها حال معاهدات السلام التي وقعتها اسرائيل مع الفلسطينيين في أوسلو خلال عقد التسعينيات.
الخيارات المطروحة لا تسر ولا تطمئن، الكتل المتنافسة تمسك باوراق ضغط تلعبها متى ما شاءت وتستطيع من خلالها اسقاط حكومات منافسيها بوقت قصير نسبياً، لو استطاع العبادي وبقية المتحالفون معه من المضي بتشكيل حكومة تضم تيارات مدنية ووطنية وكردية معارضة وشيعية محافظة، فان ضمان بقائها لفترة ستة اشهر سيكون صعباً، حكومة في نظر مناوئيها سميت مسبقاً باسم حكومة عملاء اللاعب الامريكي، حكومة يصر عرابوها على تولي العبادي قيادتها ويستثنون الفتح والمالكي منها.
تشكيل هذه الحكومة سيجعل منها أحدى أدوات أمريكا في تطبيق العقوبات المفروضة على إيران، وعدواً صريحاً لايران في اصعب وأحرج اوقاتها المتمثلة بسلسلة العقوبات المتواصلة من قبل اميركا ضد الاقتصاد الايراني، ايران سوف تتدخل بقوة من خلال نفوذها الواسع في العراق بدءً بالأحزاب الشيعية المتضامنة معها مروراً بقوات الحشد المتواجدة والمنتشرة في كل بقاع الجغرافية العراقية، فضلاً عن التلويح باوراق مؤجلة تستخدمها للتأثير على الحكومة العراقية والعراقيين نفسياً مثل ورقة التعويضات عن الحرب العراقية الإيرانية. ما أصعب التحديات التي تواجهها هذه الحكومة في ظل مثل هذه الظروف! حكومة لا يمكن لها ان تدوم اكثر من ستة اشهر وهذا ما اشار اليه هادي العامري قبل ايام مهدداً انه سيسقط اي حكومة عميلة لامريكا خلال شهرين.
الخيار الأخر هو تمكن محور الفتح والمالكي ومن معه من تشكيل حكومة بمعزل عن بقية القوى الشيعية والوطنية في الطرف الآخر، هذا الخيار ايضاً سيكون مهدداً بعدم قدرته على الأستمرار بعمل الحكومة لاكثر من ستة اشهر، يمثل الصدر وتياره القوي أكبر تهديد على هذه الحكومة والذين يمارسوا حقهم هذه المرة في الاحتجاج من داخل البرلمان كمعارضين شرعييين ومن خارج البرلمان كمتظاهرين في الشارع يرفضون كل ممارسات ونشاطات الحكومة المزعومة والمشكلة من قبل مناوئيه، يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية سوف تعمل على إضعاف هذه الحكومة من خلال إيقاف الدعم المادي والمعنوي للحكومة المشكلة خارج تصوراتها.
مشهد معقد جداً، يزيد من حالات التأزم التي تشهدها المنطقة بصورة عامة والعراق خاصة، يجعلنا نتأمل كثيراً ونهيء أنفسنا كعراقيين لمرحلة قادمة لم نتعود عليها كمواطنين وأحزاب ومؤسسات سياسية وثقافية وأجتماعية، مرحلة اسقاط الحكومة المنتخبة وتشكيل حكومة مؤقتة تدعو الى انتخابات جديدة تعيد العراق الى وضعه الطبيعي.
قد تكون فرصة ملائمة للعراقيين لإعادة الثقة والتوازن الستراتيجي الذي يحتم على العراقيين التفكير والتخطيط لمرحلة جديدة تضمن وتجعل من ظهور تأثير المواطن بقوة أكثر من تأثير الأحزاب من جهة وانبعاث روح المواطنة والعدل والمساواة والشفافية في جسد العراق المبتلى كثيراً بإمراض الطائفية والهيمنة الحزبية الضيقة وتفشي الفساد.
وقد يؤدي هذا الوضع الجديد لا سامح الله الى حرب اهلية جديدة من نوع خاص، حرب اهلية حزبية الشيعي يقاتل الشيعي والسني يقاتل السني وربماالكردي ضد الكردي، وهذا السيناريو لو حدث سيؤدي الى عودتنا مجدداً الى المربع الاول الذي شهد حرباً اهلية بدأت بعد سقوط العراق وخمدت بعد سنوات ثم عادت بشكل جديد تمخض عنه احتلال داعش للمحافظات السنية وتهديده بغداد وبقية اجزاء العراق.
قد يكون تشكيل الحكومة الجديدة وأحتمالية إسقاطها مخيفة للعراقيين والمنطقة، لكنها من الممكن أن تكون مرحلة مفصلية في تاريخ الديمقراطية العراقية الحديثة.
Mayesh21@ gmail.com