صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ما جدوى الاعتذار

آلت الدولة العراقية الى ان تصبح مرتعا للغربان بعد خمسة عشر عاما من الكذب والخراب باسم الدين، وانتهى المجتمع العراقي الى أن يصبح مجرد مجموعات بشرية متناحرة، كل منها تطلق على نفسها صفة (الشعب الاصيل) والبقية في نظرها مجرد شعوب مزيفة دخيلة تصنفها في فئة الدرجة الثانية، وهي بذلك تعيد انتاج النظرية النازية العنصرية سواء كانت تدري او لاتدري.

بعد خمسة عشر عاما يخرج علينا السيد بهاء الاعرجي في حديث متلفز على احدى القنوات الفضائية ليقدم اعتذاره الى الشعب العراقي،قائلا وبصريح العبارة “نحن اخطأنا بحقكم،لكن كانت هذه هي الظروف،عدم المقبولية من دول الجوار، قلة الخبرة السياسية وغيرها، حتى يكون للشعب العراقي امل.. نحن حرمنا الشعب العراقي من كل شيء، فعلينا ان نعطيه الامل ونتفق ونتحد من جديد كتحالف وطني بالتنسيق مع الكتل السياسية الاخرى من المكونات، السنة والاكراد، لنتجاوز الاخطاء.. فوجدتُ عدم توفر الجرأة لدى الغير، لذلك انا ابادر قبل الغير واقول، انا بالنيابة عنهم إن قبلوا اعتذر لكم، اقلّها بصفتي الشخصية على هذه المسيرة الرعناء، التي كانت من الكتل السياسية، وخاصة من التحالف الوطني، وللاسف لحد هذه الساعة لا نستطيع ان نكون شجعان ونعترف باخطائنا، انا اتحمل المسؤولية على الرغم انني لم اكن سببا مباشرا في الاخطاء”.

واستمرارا مع هذا السياق خرج علينا السيد عزت الشابندر في احدى الحوارات المتلفزة التي شارك فيها ليعتذر هو ايضا “نحن اردنا من اميركا ان تسقط نظام صدام،وليس اسقاط الدولة،ماقام به الاميركيون انهم اسقطوا الدولة العراقية،وخلّوها (جَعلوها) قاعة مصفصفة (خراب) وتعال يا بديل وتحت حراب الاحتلال وتحت النظام الجديد المفروض على العراقيين (نظام توافق المكونات)، والذي يعكس محاصصة ويعكس فساد اداري ومالي، تعال ابني العراق، الاميركان اسقطوا الدولة ولم يسقطوا نظام صدام حسين، للتاريخ انا في ايام المعارضة كنت اشد المتحمسين لاقناع الولايات المتحدة الاميركية لاسقاط نظام صدام حسين، والله لوكنت بهذا الوعي الذي امتلكه الان عن نوايا الولايات المتحدة الاميركة وهي تنفذ مخططاتها، لتنازلت عن معارضتي لصدام وذهبت مدافعا عن بلدي ضد الولايات المتحدة الاميركية”.

واضح ان قائمة المعتذرين المشاركين في جريمة ذبح العراق من الوريد الى الوريد تطول يوما بعد اخر لتضم اسماء اخرى، ولاغرابة ان تعتذر غدا زعامات دينية كبيرة، لا لشيء الا لكي يجنبوا انفسهم مسؤولية المساءلة.

ما جدوى الاعتذار وجميع المشاركين في العملية السياسية ما يزالون يعلقون اخطاءهم وخطاياهم على شماعة البعث والبعثيين، وستبقى هذه الحجة يرددونها على السنتهم والسنة ابواقهم الاعلامية ربما بعد مائة عام طالما هم يعيدون انتاج اخطائهم.

ما الفائدة من ان يعتذر اي واحد منهم بعد ان وجد نفسه مريضا عليلا وعلى بعد خطوة من الموت؟..

ما الفائدة من الاعتذار اذا كان الشعب العراقي قد اثبت بعشرات الادلة على انه لا يملك ما يكفي من الارادة والوعي والشجاعة مثل بقية الشعوب الحية لطرد من ساهموا في تدمير دولته وبلده ومستقبله.

واضح جدا ان مرجعية النجف تمتلك من المجسات ما يجعلها قادرة على فهم الواقع وما انتهت اليه اوضاع الناس والحياة في العراق، ومن منطلق مسؤوليتها كان لابد ان تخرج بموقف يضع الكرة في ملعب المواطنين لتجعلهم يتحملون مسؤولية انفسهم والخروج من هذا المستنقع، ولهذا دعت  في الايام الاخيرة الى عدم التصويت لكل الوجوه القديمة التي سبق ان شاركت في الدورات البرلمانية السابقة، يأتي موقفها هذا بعد ان وصلت الى قناعة من ان العراق وصل الى طريق مسدود وما من امل في الخروج من هذا المأزق مع بقاء نفس الوجوه متصدرة واجهة المشهد السياسي.

إن دعوتها الى ان “المجرَّب لايُجرَّب” تعني انها تضع مسؤولية الخراب على عاتق كافة القوى والشخصيات السياسية دون استثناء. وبعد هذه  الدعوة الصريحة اظن بان الايام القادمة سنشهد فيها اضافة الى سلسلة اعتذارات اخرى سنكون امام خطاب متشنج ضدها تقف وراءه معظم القوى السياسية العراقية (الشيعية)، ردا على دعوتها ،في محاولة منها للتقليل من اهمية دورها.

أقرأ أيضا