شنت جهة عراقية مجهولة تختفي تحت عنوان فضفاض اسمه (الجالية العراقية في فرنسا) بيانا يشكل هجوما عنيفا على مستثمر عراقي يعيش في باريس كان قد حصل على قرار من مجلس الوزراء في حكومة حيدر العبادي مطلع عام 2018 لاستثمار البناية الخلفية التابعة للمدرسة العراقية في قلب العاصمة الفرنسية باريس لتحويلها إلى مشروع استثماري بالتعاقد مع وزارة التربية العراقية تحت ذريعة تفادي الديون المتراكمة على المدرسة (أكثر من نصف مليون يورو) والمترتبة في ذمتها لهيئة العمل الفرنسية (أورساف)، حيث أُهمِل تسديدها لعدة سنوات لتتراكم الى هذا الحد رغم أن المدرسة كانت تعمل بشكل جيد ولها إيرادات عالية لأنها كانت تعمل بنظام التمويل الذاتي، وكان يصل مبلغ الاشتراك السنوي للطالب من 1500- 1850 يورو حسب المرحلة وكان لديها أكثر من 450 طالبا وطالبة في الوقت الذي لم يكن يتجاوز راتب المعلم فيها (700 يورو شهريا) مع وجود كادر يقدر عدده بـ30 شخصا، ولك أن تحسب فائض الأرباح السنوية.
وبالرغم من أن عقد الاستثمار كان مثاراً للجدل وترك علامات استفهام كثيرة لدى الأوساط الشعبية والإعلامية التي ما انفكت تلاحق المستثمر ومن يقف خلف تلك الصفقة المريبة عبر الكثير من البرامج الإعلامية في العراق ووسائل التواصل الاجتماعي وعبر القنوات الدولية المشهورة مثل إذاعة مونت كارلو وغيرها، إلا أن كل تلك الدعوات الإعلامية والاجتماعية لم تغير من واقع الحال الذي أدى إلى توقيع العقد بين طرفيه وهما المستثمر العراقي المقيم في باريس وبين وزارة التربية ممثلة بالمدير السابق للمدرسة العراقية في باريس.
من الجدير بالذكر، أن عقد الاستثمار المذكور قد تسبب في مشاكل على ارض الواقع، كانت قد انعكست سلبا على عمل المدرسة العراقية وقلصت من مساحتها التي كانت مهيأة لحركة الطلبة في الفرص وأداء النشاطات الرياضية وخروجهم ودخولهم في حالات الطوارئ، حيث يشترط قانون السلامة الفرنسي على وجود أبواب الطوارئ في كل بناية يقطنها أو يستخدمها مجموعة من الأفراد لتفادي أي حادث قد يتسبب بحدوث خسائر في الأرواح، ومهما كانت طبيعة ذلك العقد وما سببه من مشاكل واقعية، إلا أن التقصير لا ينصب في خانة المستثمر إنما يعود على الحكومة العراقية ومجلس الوزراء بالتحديد حين وافق دون دراسة مسبقة على تمرير مثل هذا العقد وهو تقصير حكومي كبير، لأن الدولة لم تكن عاجزة عن تسديد هذا المبلغ التافه، مقارنة بعائداتها التي تقدر بالمليارات، خصوصا وأن وضع العراق المالي في تلك الفترة لم يكن كما هو اليوم، إثر الضائقة المالية التي حلت به، لذلك كان لزاما على وزارة التربية ومجلس الوزراء أن يرفضا رفضا قاطعا مثل هكذا مشاريع قد تضر بمصلحة الممتلكات العراقية في الخارج والتي لا تقدر بثمن.
عودة إلى الهجوم الذي شنته تلك الجهة التي تطلق على نفسها (الجالية العراقية في فرنسا)، هناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها حول البيان الذي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم وحول طبيعة وتأثير التحرك وحول من يقف وراءه ولماذا بهذا الوقت بالذات؟ الأجوبة كثيرة، منها ما يمكن استنتاجها لمن يقرأ البيان بعيدا عن أرض الواقع، ومنها ما يمكن طرحها بشكل لا يقبل التأويل خصوصا لمن هم مثلي ممن يعيش هنا في باريس وعلى اطلاع عن كثب على حيثيات هذا الموضوع وعن مشاكل المدرسة العراقية، وكيف تم غلقها وتسريح معلميها بطريقة تعسفية وكيف تمت إعادة فتحها بطريقة أسوأ، وهنا أود بيان التالي:
أولا: بعد عدة اتصالات بمعظم الجهات العراقية المسجلة رسميا في فرنسا والتي لها دور في التواصل مع أبناء الجالية العراقية في فرنسا كمنظمات المجتمع المدني العراقية ومكاتب الأحزاب العراقية والمقربين من التيارات والأحزاب الإسلامية والمثقفين والشخصيات المعروفة التي تسكن في فرنسا منذ عقود، وخصوصا تلك الناشطة في متابعة الشأن العراقي ومتابعة نشاطات أفراد الجالية العراقية من حيث العلاقات الاجتماعية وتنظيم الندوات والوقفات التضامنية والتظاهرات، نفت كل تلك الجهات والشخصيات مسؤوليتها عن نشر البيان الذي حمل اسم (الجالية العراقية في فرنسا)، وبالتالي فأن ذلك البيان لم يصدر من الجالية الفعلية بممثلياتها الرسمية وشخصياتها المعروفة وإنما من جهة فردية تختفي خلف هذا المسمى.
ثانيا: توفر المصلحة الشخصية للبعض دفعهم إلى إصدار هذا البيان وفي هذا الوقت بالذات، وهو وقت التحضير للانتخابات وضد هذا الموضوع حصرا، بينما لم تصدر سابقا اية بيانات مشابهة ضد المئات من الصفقات المشبوهة التي تمت ومازالت تتم داخل العراق وراحت بسببها المليارات من الدولارات وفي جيوب شخصيات معظمها سياسية معروفة أو تختفي خلف أشخاص معينة لتمرير صفقاتها المشبوهة وحتى في خارج العراق ومنها فرنسا.
ثالثا: لم تصدر من تسمي نفسها (الجالية العراقية في فرنسا) أي بيان حين أغلقت المدرسة العراقية في العام 2018 بقرار فردي لا مسؤول وغير قانوني من مديرها السابق (صفاء الدين علي نجيب) وتركها عرضة للمنازعات القانونية والدعاوى التعويضية التي رفعها معلمو المدرسة بعد تسريحهم بقرار تعسفي للحصول على حقوقهم المشروعة ولم يتظاهر ضد هذا القرار في حينها سوى مجموعة من المعلمين احتجاجا على القرار يدعمهم عدة أفراد من الخيرين من الجالية العراقية المقيمين في باريس في وقفتي احتجاج أحداهما كانت أمام المدرسة العراقية والأخرى أمام بناية السفارة العراقية في باريس، بينما لم يكن هناك صوت لما يسمى (بالجالية العراقية في فرنسا) التي خرجت اليوم بكل هذه الوطنية وهذا الحرص.
رابعا: لم تحرك من تسمي نفسها (الجالية العراقية في فرنسا) أي ساكن حين أعيد فتح المدرسة العراقية في باريس في شهر سبتمبر الماضي وبطريقة عرجاء وغير مدروسة وبوضع أسوأ مما كانت عليه سابقا وبتعامل غير مؤدب وغير لائق مع معلمي المدرسة الذين تم تسريحهم مسبقا، حيث لم يبال مديرها الذي فتحها بالدعاوى القانونية المرفوعة ضد المدرسة ولم يستمع للنصائح التي وجهت له بخصوص إعادة المعلمين السابقين لعملهم في المدرسة ولم يعين من المعلمين والإداريين سوى أربع أو خمس معلمات وبعقود إذعان مؤقتة بائسة بعد أن كانت عقودا دائمية وبتسجيل (23 طالب فقط)، 99% من الطلبة هم من أبناء الجاليات العربية الأخرى بعدما كانت تضم أكثر من (450) طالبا وطالبة وأكثر من 25 معلما ومعلمة عدا الإداريين والحرس والمراقبين؟
خامسا: تحرك ضمير من تسمي نفسها (الجالية العراقية في فرنسا) في هذا الوقت بالذات والذي تزامن مع إعادة غلق المدرسة العراقية في باريس من قبل السلطات الفرنسية قبل عدة أيام بسبب عدم توفر مخرج الطوارئ الذي أصبح جزءا من عقد الاستثمار للبناية الخلفية لأنه جزء لا يتجزأ من تلك البناية، ولا أعرف لماذا لم يتحرك ذلك الضمير ولم تهتز كل تلك الوطنية حين أهين أكثر من 20 معلم وإداري عراقي ولم ينظر لحقوقهم بعين الاعتبار حين أعيد فتح المدرسة في أيلول الماضي وهم أحق من غيرهم في العودة إلى مكان عملهم في المدرسة التي بنيت على أكتافهم وبجهودهم و تعبهم وهم أولى حتى من الإدارات القادمة من بغداد التي تتغير كل عدة سنوات بعد أن تتقاضى أعلى الرواتب و تسكن في أرقى أماكن باريس.
سادسا: من عادة العراقيين أثناء الخلافات الشخصية استخدام أسلوب التشهير وشن الحملات الإعلامية وإطلاق الزوابع المفتعلة و نبش صفحات الماضي للتنكيل بمن يختلفوا معه و في هذا البيان يظهر جليا كيف استخدمت بعض المعلومات التي سخرت ضد شخص المستثمر بغض النظر عن شرعية وقانونية عقد الاستثمار لشخصنة الموضوع وإلصاق تهمة الإرهاب بشخص المستثمر ودعم داعش دون العودة إلى سبب الخلل الذي تتحمل مسؤوليته الحكومة العراقية كخطأ تعاقدي فادح وخرق قانوني فاضح وهو ما ذكرته آنفا حول ترويج وزارة التربية لهذا العقد وموافقة مجلس الوزراء عليه دون الرجوع إلى خبراء القانون.
سابعا: يبدو لي إن هناك من تضررت مصالحه نتيجة غلق المدرسة العراقية في باريس وخوفا على فقدانه المنصب و المكان الذي لا يحلم بالسكن به أغنى أغنياء فرنسا, قد أيقن بأن استمرار عملها خلافا للقانون الفرنسي الذي لا يرحم بات مستحيلا ولا بد أن يكون هناك حل لهذه المشكلة وهي فتح باب الطوارئ التي تعود للبناية الخلفية الواقعة تحت عقد الاستثمار فراح يستخدم مثل هذا البيانات الرنانة التي تدفع الكثير من الساسة في هذا الوقت بالذات لإثارة الموضوع كمكسب انتخابي و خلق عامل ضغط على المستثمر لفتح الباب الخلفي للطوارئ لتعود المدرسة للعمل, ناهيك عن إثارة الإعلام الداخلي الذي يبحث عن سبق صحفي لنشر مثل هذه المواضيع الساخنة خصوصا حين يرتبط البيان باسم (الجالية العراقية في فرنسا).
كان الأجدر بمن يختفي تحت مسمى (الجالية العراقية في فرنسا) أن يخرج للضوء كما خرج غيره وأن يقف موقفا مشرفا ضد فكرة فتح المدرسة بهذه الطريقة البائسة ليستفيد منها ثلة بسيطة سواء بالسكن في بنايتها أو الاستفادة من الرواتب العالية التي منحها لنفسه ليرمي الفتات على كادرها و بعقود تعسفية بائسة أقل ما يقال عنها أنها عقود إذعان تمتهن كرامة الإنسان وكان عليه أن يقف بوجه الفاسد الحقيقي قبل أن ينبش أوراق الماضي التي أصبحت حقوقا ثابتة بالقانون.