يمكن تقييم التظاهرات التي حصلت قبل أسبوع وامتدت من تاريخ 13 لغاية 17 تموز يوليو الحالي، باختصار بما يلي:
أولا – سواء كانت التظاهرات مخترقة من قبل اي جهة أم لا، إلا ان هذا لا ينفي وجود تمرد ورفض شعبي ومطالب محقة، وبالتالي فان هذه التظاهرات أكدت سقوط السياسيين أمام تمرد قد يندلع بأي وقت وتحت أي ظرف ومحرك، ولا يمكن القول بنهايته حتى مع توقفه.
ثانيا – قائمة الفتح التي كان يمكن لها أن تبقى خارج الرفض الشعبي صارت الآن مستهدفة، واستدرجت من حيث لا تدري إلى مواجهة الجمهور.
ثالثا – نجحت أمريكا وحليفتها السعودية بإيصال الشيعة إلى مرحلة التخلي عن السياسيين الاسلاميين، ووجدت امريكا الظروف -بعد اندلاع التظاهرات- مناسبة جدا، وعليها اختيار التوقيت المناسب لاحقا، لإطلاق رصاصة الرحمة عليهم بعد إعداد البديل.
ثالثا – حال عدم نجاح المشروع السياسي الامريكي للتغيير الجذري البديل بعد هذه التظاهرات، فان ثمة مرحلة انتقالية سوف تمارسها من صراع شيعي وفراغ دستوري وتدهور خدمي يقود إلى تمرد شعبي يفرض واقعا يمكن لامريكا فرض مشروعها فيما بعد في ظل هكذا ظروف.
رابعا – امريكا في هذه التظاهرات اختبرت الشارع السياسي الشيعي واختبرت شعبية الاسلاميين، واختبرت توجهات النجف الاشرف ومرجعيته، فكل النقاط واضحة ومكشوفة واكتشفت انه لا أحد يتمسك بالمشروع السياسي الإسلامي, وكل ما حصل يمكن أن يكون مقدمات ناجحة للمشروع الامريكي وتأكدت من نسبة نجاحاته.
خامسا – النتيجة التي اكدتها التظاهرات وتحدثت بها الواشنطن بوست هي انه لا جمهور يحمي الدولة والعملية السياسية، بل الاحزاب هي من تولت حماية نفسها، وهذا ما يعنيه اجتماع العبادي بالحشد لأنه لم يجد جمهورا يدافع عن الأحزاب وحكومتها, فالجمهور في غالبه متمرد عليها، والمرجعية غير مستعدة للدفاع عنها، بل انحت باللائمة على الحكومة بوضوح وحملتها المسؤولية وانتمت المرجعية الى المتظاهرين، غاية ما في الامر حذرتهم من الاندساس.
سادسا – بعض أعضاء فصائل الحشد الشعبي والأحزاب، وجدوا أنفسهم في زورق واحد أمام الجماهير العراقية الرافضة لهم مع أنهم مارسوا العمل السياسي الانتخابي، ولم يمارسوا العمل الحكومي الى الان.
سابعا – وجدت امريكا امكانية الاختراق من الاطراف المتوترة لاحداث حرب شيعية – شيعية تؤدي إلى إسقاط هيبة وقوة وشرعية وشعبية الكل.
ثامنا – المرجعية الدينية وجدت نفسها في أحرج زاوية، فمساحات تحركها حادة، كونها إما تقف مع جمهور ينادي بتغيير جذري، وهذا له نتائج خطيرة, خصوصا مع التدخل والتداخل الخارجي والاندساس، واما ان تقف مع سياسيين فقدوا شعبيتهم بفسادهم وصاروا بمواجهة الشعب ولا خيار ثالث.
تاسعا – الأحداث لا تكشف عن أزمة وإحداث عابرة، بل مقدمات لتغيير حتمي، وما حصل مقدمات له, والى الان لا تبدو أية حلول واضحة تلوح في الافاق، يمكن أن يحصل عليها الاجماع السياسي، ولم تلتئم الى الان القوى السياسية الشيعية للخروج برؤية موحدة لعلاج الموقف مع أن الخطر يتهددهم جميعا, في أحرج ظرف سياسي وفراغ دستوري وتباعد القوائم في موقفها التحالفي، مما يفتح الباب لاحتمال التدويل والتدخل العسكري. وقد تبين أن أمريكا لاعب مهم ومؤثر في الأحداث ليس في توجيه الاحداث، بل في إمكانية طرح الحلول في أي وقت تراه مناسبا.
عاشرا – تبين أن لدى الجمهور الشيعي سقوفا عالية وتوجهات جديدة، اسمها آبار النفط، وهذا يوشر تنامي وعي المطالبات وفهم المعادلات الاقتصادية التي تحكم البلاد وتفهموا حقهم في الجغرافيا الاقتصادية، كون تلك الابار تمتد تحت أقدامهم دون منفعة تذكر، ومن المؤكد أن للتظاهرات أسبابا كثيرة وكبيرة وقديمة، ولا يمكن أن تنتهي فورتها إلا بمتغيرات جذرية, وكلما تاخر الحل كلما كثر التدخل وتعددت الجهات الاقليمية والدولية والداخلية لتوثر في سير الاحداث.