كل عام وحين يُقبل شهر محرم الحرام تبدأ مراسيم وطقوس يعتبرها البعض شعائر حسينية نابعة من الدين، وفي الحقيقة ان ما يقوم به مدعو الحب والولاء للإمام الحسين بعيدة كل البعد عن نهج الحسين ومبادئه، والجدير بالذكر أن تفشي هذه الطقوس وانتشارها بشكل كبير في الآونة الاخيرة كان سطحيا بسبب جهل الجماهير بحقيقة النهضة الحسينية ورياء البعض الاخر منهم.
فتحول شهر محرم من شهر استذكار المبادئ العظيمة والالتزام بها قدر المستطاع الى شهر يقتصر على النواح والبكاء واللطم وتوزيع الطعام بالاضافة الى بعض المراسيم التي يحضرها عدد من الخطباء والقراء والذين يستغلون المناسبة ويروجون الى الطائفية والكراهية بين ابناء الشعب وذلك من خلال خطاباتهم او قصائدهم او بعض المصطلحات التي يكون باطنها زرع شيء من الطائفية في النفوس وخلق بذور التفرقة اضافة الى ما يصحب هذه المراسيم من تضييق على الناس واعمالهم وامورهم وذلك من خلال اغلاق بعض الطرق والشوارع لإقامة المواكب الحسينية، وهذا يخلق لدى بعض الناس ممن لا يعرفون نهج الحسين (ع) النفور من تلك الطقوس، ومن القضية برمتها.
وقد ساهم عدد كبير من علماء المذهب الشيعي منهم السيد محسن الامين في تصحيح بعض الافكار والطقوس والمراسيم الخاطئة، وذلك من خلال رسالته الشهيرة المعروفة برسالة التنزيه، حيث اوضح بها كل الطقوس والمراسيم الحسينية المشبوهة مع دلالتها الدينية.
جدير بنا ان نتساءل في ذكرى احياء تراث الحسين (ع) هل الحسين خرج وضحى بنفسه وعرض عائلتهُ الى الخطر المحتم من اجل ان نُحيي ذكراه باللطم والبكاء والنواح واعداد الطعام؟!
الحسين (ع) خرج من اجل نهضة حقيقية ومبادئ سامية رافضة للظلم والاستبداد والخضوع، هذه الرسالة الاولى التي حاول الامام الحسين ايصالها الينا وافعاله كانت تحتوي في طياتها على العديد من رسائل التي اراد ايصالها الينا والاقتداء بها، لكننا كنا بعيدين كل البعد عن هذه المبادئ، ولم نكتف بهذا البعد، بل أصبحنا ننافق بعض الشيء، ففي الوقت الذي يدعي البعض اتباعه لنهج الحسين وحزنهُ الشديد على مقتله، الا أنه لم يطبق مبدأ واحدا من مبادئ الحسين (ع)، ولو اتبعوا مبدأ واحدا لما كنا الان بهذا الحال الذي نحن عليه من الفساد والظلم وانتشار العديد من الظواهر مخزية، لكن جهل بعض الجماهير ورياءهم هو من جعل من شهر الحسين طقسا لغياب العقل، اذ تغلب على مظاهره قلة الوعي والازدواجية، فالبعض يلبس السواد ويلعن الظلم، ولكنه في موضع عملهِ واستطاعته يكون اشد الناس ظلماً وفتكاً، ولانه يملك ما يكفي من المال فانه يعد ما لذ وطاب من الطعام كي يشاع عنه في محلتهِ انه من خدام الحسين (ع) وصحبه الابرار، لكنه في بقيه الشهور لا يبذل حتى القليل من المال لمساعدة الفقراء.
الحسين لا يريد سوادنا ولا دموعنا ولا طعامنا، بقدر ما يريد سمو أخلاقنا، وهذه ليست مسؤولية عامة الناس بالدرجة الأولى، بل هي مسؤولية القائمين على مثل تلك الفعاليات والمراسيم الدينية كرجال الدين واصحاب المواكب الحسينية.