صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

مستشارو الكاظمي تحت القصف.. ومستشارو السوداني في مأمن

في ذروة حكومة مصطفى الكاظمي، تعرض بعض مستشاريه لهجوم شرس، لا سيما الدكتور كاظم السهلاني والمحامي مهند نعيم، رغم أن الحكومة كانت تعج بعشرات المستشارين الآخرين، ممن لم تطلهم نيران النقد بنفس الحدّة. كان الهجوم مركّزًا ومحمومًا، حتى بدا وكأن وجود السهلاني ونعيم في السلطة خطيئة لا تُغتفر، رغم أنهما لم يأتيا من كواليس الأحزاب التقليدية أو دهاليز المحاصصة، بل خرجا من رحم ساحات الاحتجاج، وكان يفترض أن يحظيا بدعم جمهور تشرين، لا سخطه.

الهجوم لم يكن مجرد اختلاف في الرأي أو تقويمًا للأداء، بل كان أقرب إلى عملية اغتيال معنوي ممنهجة. شُككت نواياهم، وصُورت قراراتهم كأنها مؤامرات، حتى بدت محاولاتهم للإصلاح وكأنها خطايا وطنية، لا محاولات إنقاذ. لم تُمنح لهم فرصة الدفاع عن مشاريعهم، ولم يُسمع صوتهم إلا عبر حملات التشويه والتسقيط، لا عبر الإعلام أو المنابر النزيهة. وبينما انشغل الرأي العام بهم، بقي العديد من المستشارين الآخرين في الظل، ينعمون بالهدوء، دون أن يتعرضوا لنفس العاصفة، رغم أن بعضهم لم يكن له لا ماضٍ احتجاجي ولا إنجاز يُذكر.

ثم جاءت حكومة محمد شياع السوداني، وفتحت أبواب التعيينات الاستشارية على مصراعيها. امتلأت المكاتب بمستشارين من كل حدب وصوب، بعضهم من خلفيات حزبية تقليدية، وآخرون دخلوا من بوابات غير واضحة. والغريب أن السهام التي كانت تنهال على مستشاري الكاظمي، صمتت تمامًا أمام مستشاري السوداني، وكأن هؤلاء نجحوا في تقديم أداء استثنائي لا يرقى إليه الشك، أو كأن المجتمع فقد حماسته للنقد والتقويم.

وهنا تُطرح عدة تساؤلات مشروعة:

هل كان الهجوم على مستشاري الكاظمي، لا سيما السهلاني ونعيم، مدبرًا من داخل الحكومة نفسها؟

هل تعمّد الكاظمي ومستشاروه إبعاد بعض الوجوه عن الإعلام، تحسبًا لصعود شعبيتهم ونفوذهم لاحقًا؟

هل وقع بعض التشرينيين في فخ التنافس الداخلي، وبدلًا من الدفاع عن تجربتهم، انشغلوا في تصفية الحسابات فيما بينهم؟

ولماذا لم نرَ الحدة ذاتها تُوجَّه نحو مستشاري السوداني، رغم كثرتهم وتنوع خلفياتهم؟

هل يعود ذلك إلى تحسّن فعلي في أداء الحكومة؟

أم أن هناك توافقًا ضمنيًا بين القوى السياسية على تحييد النقد الآن؟

أم أن النقد نفسه صار يُدار وفق حسابات سياسية دقيقة، تخدم أهدافًا بعينها وتغض الطرف عن أخرى؟

ربما تكون هناك تفسيرات أخرى، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن موجة النقد التي طالت مستشاري الكاظمي لم تكن موزونة، ولم تُبنَ على معايير مهنية ثابتة، بل كانت محكومة بالسياقات السياسية ومصالح القوى المتنفذة، وأحيانًا بخلافات شخصية داخل معسكر التشرينيين أنفسهم. وهنا يظهر السؤال الأخطر: هل كان المطلوب إسقاط هؤلاء المستشارين كشخصيات؟ أم كان الهدف الأعمق هو إسقاط التجربة التشرينية برمتها داخل مؤسسات الدولة؟

إن التجارب السياسية التي تخرج من رحم الاحتجاجات، تكون غالبًا هشّة أمام تقاليد السلطة القديمة، ومطامع القوى النافذة. ولأن حضور شخصيات تشرينية داخل مؤسسات القرار يُعد سابقة في تاريخ الحكم ما بعد 2003، فقد كانت تلك التجربة محط رصد وترقب، بل واستهداف مبكر. وأي نجاح لها كان سيتحول إلى تهديد حقيقي للبنية التقليدية للسلطة. ولذلك، فإن ضرب هذه الشخصيات قد لا يكون إلا خطوة أولى في مخطط أشمل لتشويه إمكانية التغيير من الداخل.

في المقابل، فإن صمت النقد حيال مستشاري الحكومة الحالية لا يعني بالضرورة أنهم أنجح أو أنزه، بل قد يكون مؤشّرًا على أن النقد نفسه لم يعد حُرًّا، وأن البيئة السياسية والإعلامية أصبحت أكثر انضباطًا لخدمة توجهات السلطة الحالية. وفي كلا الحالين، الخاسر الأكبر هو الرأي العام، الذي يُحرم من معايير واضحة لتقويم الأداء، ويُزج به في معارك انتقائية، تُدار خلف الكواليس.

ختامًا، قد تختلف التقديرات حول أداء هذا المستشار أو ذاك، لكن المؤكد أن ازدواجية المعايير في النقد تظل سلاحًا فتاكًا، لا يقل خطرًا عن الفساد نفسه. فحين يُكافأ البعض على صمتهم أو تبعيتهم، ويُعاقب آخرون على جرأتهم أو استقلالهم، فإننا لا نحاكم الأداء، بل نحاكم النوايا، ونغتال الأمل في ولادة تجربة مختلفة. وهذا هو الخطر الحقيقي.

أقرأ أيضا