لاحتملات حدوث تغيير في بنية العراق السياسية، لا يوجد اكثر من ثلاثة مشاهد متوقعة:
المشهد الاول: التغيير من القاعدة، أي من الاسفل للأعلى من خلال الشعب.
المشهد الثاني: التغيير من الأعلى بأزالة نظام الحكم إما من بواسطة قوة خارجية أو داخلية .
المشهد الثالث: التغيير من الوسط (الثورة العاقلة)
المشهد الأول – التغيير الشعبي: لقد أخبرتنا التجارب السابقة للتظاهرات والإعتصامات، بأننا نخلط ولانفرق بين أكتمال شروط الثورة بمعنى توفر عناصرها الاساسية (قيادة منظمة + رؤية سياسية موحدة + مساحة جماهيرية واعية) عدا هذه الشروط وهي ليست سهلة وليست متاحة حاليا في العراق، وبين مفاهيم أخرى مقاربة، تظاهرات، إنتفاضة شعبيه، سمها ما شئت، وهي قد تشكل عامل ضغط لابد منه لإخافة وإرعاب الفاسدين والفاشلين داخل أسوار المنطقة الخضراء، ولكنها في المحصلة النهائية كثيرا ما لا تحقق المرجو منها في إحداث التغيير الحقيقي الملموس ولاتعدو عن عملية غليان عاطفي وقتي، وكثيرا ما يتم ركوب موجتها من قبل صيادي الفرص، حيث يجري إجهاضها وإمتصاص وإطفاء جذوتها، وتنتهي بالناس البسطاء الى إستمرار معاناتهم وسرقة آمالهم . المشكلة في هذا السيناريو في العراق يكمن في عدم تبلور أي بديل سياسي حقيقي منظم وواقعي، وبالتالي إذا ما قلعت هذه الجموع الشعبية الغاضبة هذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة والمتهرئة أصلا، ورمت بها في نهر دجلة أو حاويات النفايات، يبرز السؤال الكبير التالي هل هناك ثمة بديل قد إكتمل ليحل محلها؟، ام إن البديل هو الفوضى، او سرقتها وأختطافها من قبل نفس رموز العملية السياسية، حيث في كل مرة يجري إخراجهم من الباب ليدخلوا من الشباك.. هنا لابد أن نقول وبكل وضوح وعلى ضوء تجارب الحكم في العراق السابقة واللاحقة: إن القانون والنظام بأسوأ حالاته، أفضل من الفوضى والإنفلات بأحسن حالاتها …. وللحديث بقية عن المشاهد المحتملة الأخرى …
المشهد الثاني: التغيير من قمة الهرم السياسي
قد ترد احتمالية تغيير قمة النظام السياسي بالقوة سواء من خلال قوى داخلية او بواسطة تدخل خارجي . هنا علينا ان ندرك دائما إن العراق لطالما كان حقلا لتجارب وأنقلابات من هذا النوع تارة باسم القومية واخرى باسم الاشتراكية واخيرا باسم الأسلام السياسي، كذلك علينا أن نعرف وبكل عقلانية بان هذا النوع من التغيير ليس سوى مسكن ألم وقتي ولن يطال سوى قشرة النظام السياسي، على الرغم من إن الشعب العراقي بسبب عمق وشدة معاناته ويأسه واحباطه وخيبة امله وسخطه وغضبه على الطبقة السياسية الحاكمة الحالية، فإنه مهيأ نفسيا للقبول بأي حاكم عسكري يحاسب الفاسدين ويعتقده “المنقذ والمخلص”، ولن يهمه الطريقة او الوسيلة التي سياتي بها هذا ” المنقذ “، وكيف سيفرض بها سيطرته وقوته.
الخطورة في هكذا مشهد هو أن هذا الحاكم الذي كالعادة سيستقبل بالهتافات كمنقذ، لا يلبث بعد قليل كي يتحول الى ديكتاتور وستتجمع حوله نفس الحاشية وحلقات الانتهازيين والوصوليين، وتكون قد مضت عقود طويلة من الزمن من الضحك على ذقون الشعب، كي يناضل الشعب من جديد لانتزاعه من السلطة وبنفس الطريقة، لانه ثبت بالتجارب المحلية والعالمية إن الديكتاتورية كنظام حكم قد يكون ناجحا لفترة مؤقتة للشعوب عقب الكوارث والاحتلال والهزائم التي قد تتعرض لها، ولكنه كنظام سياسي بمرور الوقت سيؤدي الى كوارث ومصائب أشد، وخسائر أكثر فداحة من ذي قبل، ويكون الحاكم وبعد فوات الآوان قد تشبث وأستمكن من كافة مقدرات ومقاليد البلد الذي سيتحول بمرور الزمن الى قرية وملكية وضيعة خاصة به وبعائلته وأقربائه وحاشيته.
سيبقى مشهد وخيار التغيير الحقيقي الأخير امام الشعب العراقي الذي سنقترح فيه الحل… يتبع
استاذ العلوم السياسية المساعد / مدير مركز دجلة للتخطيط الأستراتيجي