يُعَدّ مصطلح “الفائدة” أحد المصطلحات الرئيسية في اللغة السياسية، حيث يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم السياسة وأهدافها، وتشمل السياسة الأساليب والنظريات والأدوات التي تستخدمها الدول لتحقيق مصلحتها وتعزيز وضعها، وهذا يشمل المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية. تتعدد وجوه السياسة وتتفاعل مع تغيرات البيئة المحيطة بالدولة، ويقاس نجاح السياسة من خلال قدرتها على تحقيق المصلحة الوطنية بكلفة مناسبة وعلى المدى الزمني اللازم.
القوة الاقتصادية والقوة العسكرية تعتبران من أهم العوامل التي تحدد مكانة الدولة في النظام الدولي. تستند قوة الدولة إلى قدرتها العسكرية في الدفاع عن نفسها وتحقيق أمنها، بالإضافة إلى قوتها الاقتصادية التي تمكنها من التأثير في السياق الدولي. تعمل الدول على تعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية لتحقيق مكانة أفضل على الساحة الدولية.
تواجه العراق تحديات عديدة في تنمية موانئه وبنيته التحتية البحرية، نتيجة الأثر المتراكم للصراعات والتغيرات الجيوسياسية. يأتي مشروع ربط السكك الحديدية بين العراق وإيران كجزء من التطورات الاستراتيجية. ورغم ذلك، تثار مخاوف حول تأثيره على ميناء الفاو الكبير ومستقبل الاقتصاد العراقي.
للأسف، يشهد العراق تحولاً إلى دور استهلاكي بدلاً من دور منتج صناعي، حيث يعتمد بشكل كبير على استيراد البضائع من الدول الجارة والبعيدة. تأتي هذه البضائع عبر الطرق البرية والموانئ الجنوبية. من هنا، يسعى العراق منذ فترة إلى إقامة ميناء كبير ليكون مركزاً اقليمياً لنقل البضائع وليكون بوابة لنقل البضائع من جنوب البلاد إلى دول أخرى، خصوصاً باتجاه أوروبا. ظهر مؤخراً مشروع طريق التنمية، وهو مشروع لنقل البضائع يمتد من ميناء الفاو الكبير نحو الحدود الشمالية والغربية.
تشير التحليلات إلى أن مشروع ربط السكك الحديدية بين العراق وإيران قد يكون له تأثير كبير على مشروع ميناء الفاو الكبير، والذي يُعَدّ من مشاريع الاستثمار الاستراتيجي للاقتصاد العراقي. وهذا الربط السككي قد يُحوّل دور العراق إلى مجرد ممر ترانزيت للبضائع القادمة من إيران إلى العراق، ومن ثم إلى سوريا وموانئها. وهذا الأمر قد يؤدي إلى تقليل الفوائد الاقتصادية المتوقعة من مشروع ميناء الفاو الكبير.
لا شك أن هذا التطور يشكل تحدياً استراتيجياً يتعين مواجهته بجدية. من الضروري أن تتخذ الحكومة العراقية إجراءات للحفاظ على ميناء الفاو الكبير ليلعب دوراً مهماً في تعزيز الاقتصاد الوطني. يجب دراسة الخطط والاستراتيجيات المحتملة لتطوير وتحسين الاستخدامات المستقبلية لهذا الميناء، بما في ذلك تعزيز البنية التحتية اللازمة لاستقبال وتصدير البضائع بكفاءة.
بصورة عامة، يجب أن تتبنى الحكومة العراقية سياسات تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تطوير الصناعات المحلية وتنويع مصادر الدخل. على الجهة الأخرى، يجب أن تتعامل الحكومة مع الشراكات الإقليمية بحذر وحكمة لضمان تحقيق المصالح الوطنية للعراق وعدم التأثر سلباً بالتغيرات المحتملة في تدفق البضائع من خلال مشروع الربط السككي.
في السياق الحالي، تم وضع حجر الأساس لمشروع ربط السكك الحديدية بين العراق وإيران من خلال منطقة ومنفذ الشلامجة الحدودي. هذا القرار جاء بشكل غير متوقع، مما أثار الكثير من التساؤلات حول دوافعه وتأثيراته المحتملة. الأمر اللافت هو تغيير موقف رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، حيث كان قد عبّر في وقت سابق عن معارضته لفكرة هذا الربط، إلا أنه يظهر الآن تبنيه لهذا المشروع.
من المؤسف أن الحكومة العراقية ومسؤوليها يقومون بخداع الشعب من خلال ترويج كذبة بأن هذا المشروع يهدف فقط لنقل الزوار والمسافرين دون البضائع، في حين أن الحقيقة هي أن المشروع هو بالأساس لربط ميناء الإمام الخميني الإيراني بشبكة السكك الحديدية العراقية.
هذا التغيير في الموقف يحتم علينا التوقف وتحليل الأمر واثارة مجموعة اسأله. ما هي العوامل والأسباب التي دفعت رئيس الحكومة إلى اتخاذ هذا القرار؟ هل هناك توجهات جديدة تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، ضمن استراتيجية أو تحول في السياسة الخارجية للحكومة؟ أم أن هناك سببًا آخر غير معلن يعزز من اتخاذ هذا القرار، خصوصاً أن التعقيدات في الساحة الإقليمية والوطنية للعراق تجعل الباب مفتوحًا أمام مجموعة متنوعة من الاحتمالات.
على الرغم من ذلك، من المهم أن يتم تقديم توضيحات وشرح مفصل للجمهور حول هذا القرار وأسبابه. يجب أن يتم توضيح الهدف من مشروع ربط السكك الحديدية والفوائد المتوقعة منه، بالإضافة إلى التناول المباشر للتحديات المحتملة التي قد تنشأ نتيجة لتنفيذ المشروع، وكيفية التعامل معها بفعالية. هذا سيساعد في تهدئة التساؤلات وتقليل الشكوك حول القرار، وسيساهم في بناء تفهم أفضل لمسارات التنمية والتعاون الاقتصادي للعراق.
في الختام، من الضروري أن تكون للقرارات الحكومية شفافية ووضوح، خصوصاً فيما يتعلق بالقرارات ذات الأثر الاستراتيجي على مستقبل البلاد. يجب على الحكومة أن تقدم توضيحات شاملة ومعلومات دقيقة للجمهور ووسائل الإعلام، لتمكين المواطنين من فهم السياق والتأثيرات والأهداف والفوائد المتوقعة لهذه القرارات.
أثبتت تجارب السنوات السابقة في أمور مهمة مثل هكذا ملفات وجود ما لا يسر المواطن العراقي من أسباب ودوافع لاتخاذ مثل هكذا قرارات. الحكومة مطالبة بتوضيح واضح وشفاف وصادق.