المقدمة
أصدر مجلس الوزراء، اليوم الثلاثاء 12/ 3 /2019 قرارا بشأن توزيع قطع الأراضي في عموم المحافظات باستثناء إقليم كردستان. وفي الوقت الذي تشكل هذه الخطوة تقدما محمودا من حيث انها تمثل ايلاء مشكلة السكن شيئا من التفكير والاهتمام، في مقابل اهمال هذه المشكلة مدة طويلة من الزمن من دون التفكير بطرق لحلها، الا أن هذه الخطوة بدت بعيدة عن ملامسة هذه المشكلة العميقة والقديمة .فالحق في السكن هو أحد حقوق الانسان في الحياة الكريمة (الموئل، 1990) .ومن المعروف ان أغلب مدن العراق تعاني من عجز سكني متراكم وكبير ويتطلب من الدولة القيام بخطوات جادة لمعالجته، مثلما تعاني هذه المدن من ظاهرة العشوائيات التي لها آثار خطيرة على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية للمدن.
وقد هيمنت تقديرات نقص المساكن في العراق على الدراسات ذات الصلة منذ منتصف القرن العشرين. اذ تظهر مراجعة وجيزة للدراسات التي نشرت في هذا الصدد مدى النقص الخطير في توفر المساكن والكيفية التي تتزايد بها هذه الندرة مع مرور الوقت. فقد أجرت وزارة الإسكان (2009) دراسة “سوق الإسكان العراقي” وقدرت ان الحاجة في القطاع الحضري بين 2006 و 2016 هي 1,270,000 وحدة سكنية. وزادت دراسة أخرى هذا الرقم إلى 2,000,000 وحده سكنية (وزاره الاسكان والتعمیر، 2010). وبناء على ذلك، هناك حاجة لبناء 200,000 مسكن في السنة للسنوات العشر القادمة (حوالي وحدة سكنية واحدة كل 45 ثانية في يوم العمل الواحد).وقدّر المسعودي والسعدي (2012) أن نقص المساكن في العراق سيكون بين 2 إلى 2.5 مليون وحدة سكنية حتى عام 2020. وقد استبعدت هذه التقديرات الدمار الواسع الناجم عن الحرب ضد الإرهاب منذ عام 2014. وإذا أخذنا النقص الذي تسببت به الحرب، والتدمير غير المحسوب في قطاع الإسكان، يمكن القول ان الرقم قد تضاعف .
بيد أن وجود هذه المشكلة الخطيرة يتطلب التصدي لها بشكل علمي ومدروس جيدا ضمن خطة وطنية شاملة وصحيحة تستهدف تحقيق الغايات بشكل علمي ومن اجل تلافي الهدر في الموارد . ويتوفر في العراق خبرات ومؤسسات أكاديمية ودراسات وبحوث يمكن الاستفادة منها لوضع خطة محكمة لحل مشكلة الاسكان في العراق بشكل سليم، كما يمكن الاستفادة من بيوت الخبرة العالمية في هذا الشأن، أما التعامل مع هذه القضية بعجالة فلن يكون نافعا وقد ينطوي على مشاكل وإخفاقات.
1. عرض ومناقشة فقرات القرارموضع البحث
سيتم في هذا البحث عرض فقرات القرار بالتسلسل الذي وردت فيه ضمن القرار المبحوث، وسيتم تصنيف الملاحظات لاحقا. ففي الفقرة 1 من القرار كلف المجلس وزارة الاسكان والتعمير والبلديات والاشغال العامة 1 بتهيئة مساحات مناسبة في جميع مراكز المحافظات والاقضيه والنواحي بالتنسيق مع كافة الجهات ذات العلاقة لغرض توسعة حدود البلدية للمدن أو تنفيذ الجزء الغير منفذ من التصميم الاساسي.
يبدو ان القرار يتجاهل القرارات السابقة والتي خولت بموجبها المحافظات صلاحيات بعض الوزارات المركزية . فوزارة الاسكان في الوقت الحاضر ليس لها أذرع في المحافظات كما كانت سابقا بعد فك ارتباط الدوائر التابعة لوزارة البلديات وربطها بالمحافظات وبعد دمج وزارة البلديات ووزارة الاسكان بوزارة واحدة، فكيف لها أن تنفذ هذا القرار، هذا من الناحية الاجرائية، أما من ناحية التوجه العام، فالقرار وما يتضمنه من اعطاء صلاحيات وتكليف لوزارة الاسكان فأنه يعيد مرة أخرى النزعة المركزية والتي أثبتت التجارب عدم جدواها، ويسحب الصلاحيات من المحافظات.
أما في الفقرة 2 من القرار فقد كلف المجلس الوزارة المذكورة باعداد مخططات وخرائط بناء بمعايير علمية حديثة تأخذ بنظر الاعتبار التوسعات المستقبلية لجميع متطلبات مؤسسات الدولة واعداد مخططات تراعي الخصوصية بأستخدام مواد البناء الجديدة والتي تخفض من استخدام الطاقة.
وهنا يمكن أن نطرح السؤال التالي :هل يعني هذا أن تقوم الوزارة باعداد مخططات نمطية تنفذ في كل المحافظات؟ الملاحظة في هذا الصدد اننا وخاصة اذا ما تم مراعاة الخصوصية التي ذكرتها هذه الفقرة يجب ان نغادر المخططات النمطية لأنها لن تكون صالحة لكل المواقع باعتبار الخصوصية البيئية والثقافية . وان لم تكن المخططات المزمع تصميمها نمطية، فهل بامكان جهة مركزية واحدة أن تصمم عدد كبير من المباني ولكل الدوائر في كل المحافظات بشكل يضمن أخذ المتطلبات البيئية والمكانية بنظر الاعتبار؟
1- ستتم الأشارة الى اسم وزارة الاسكان والتعمير والبلديات والاشغال العامة في هذه الورقة باسم مختصر وهو وزارة الاسكان، ان اعداد مثل هذه المخططات تتطلب جهودا كبيرة بالتأكيد هي غير متوفرة لدى كادر الوزارة حاليا، فهل ستقوم باعلان مناقصات لاعداد تصاميم لكل دوائر الوزارات كما ذكرت هذه الفقرة؟ وما هي كلفة اعداد مثل هذه المخططات؟ وكيف سترصد تلك الكلف؟ وما هو مصير المخططات التي أعدتها تلك الدوائر والمحافظات وصرفت عليها مبالغ كبيرة قبل حصول الأزمة المالية؟ كل هذه أسئلة يجب الاجابة عنها ليكون التنفيذ ممكنا.
وأشار القرار أنه في حالة الحاجه الى توسعة حدود البلدية يتم تشكيل فرق في المحافظة المعنية لاغراض التوسعة وفق القانون على ان تشمل الاراضي الاميرية الغير مثقلة بحقوق تصرفية أو العقود الزراعية لحين تعديل قانون الاستملاك.
يبدو ان القرار لم يفرق بين حدود البلدية وحدود التصميم الاساسي . واذا كان المقصود هو توسيع التصاميم الأساسية فهذا يعني تحديث تلك التصاميم، وهو بحد ذاته عملية طويلة ومكلفة لن يكون بمقدور (الفرق التي ستشكل في كل محافظة ا) انجازها. ولم يوضح القرار كيف يتم تخصيص المبالغ اللازمة لانجاز تحديث التصاميم الاساسية، ولدى الوزارة تجارب بخصوص ذلك. وكذلك لم يبين القرار ما هي العيوب في قانون الاستملاك التي يتطلب الأمر تعديله قبل الشروع في تطبيقه لاستملاك أراضي جديدة لغرض توسيع المدن .
وفي الفقرة 3 قسم القرار الاراضي التي ستفرز بموجبه الى ثلاثة فئات 200 متر مربع للمشمولين بالرعاية الاجتماعية، و300 متر مربع و 400 متر مربع تباع للمواطنين باسعار مختلفة سنأتي على تفصيلها . أما الفئة الأولى فقد ذكر القرار انه (يتم منح فئة المشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية وذوي الاعاقة قطع اراضي سكنيه بمساحة (200)م2 ببدل قدره (250) مئتان وخمسون دينار فقط للمتر المربع الواحد شريطة عدم استفادتهم سابقا بقطعة أرض سكنية من الدولة4–7 وفقا لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 120 لسنة 1982
ان ذوي الاعاقة أو بالاحرى ذوي الاحتياجات الخاصة شريحة أولى بالرعاية، وقد يكون منهم من المستفيدين بقطعة أرض من الدولة قبل اِعاقته وربما يكون قد تصرف بها لسبب أو لآخر سيما وان المجتمع قد مر بظروف استثنائية من حروب وحصار وغيرها، ولكنه الآن معاق، ان هذا الشرط يعني ان مثل هذا الشخص وبالتالي مثل هذه الأسرة سوف تترك بلا قطعة أرض لا لشيء الا لأنه كان قد استلم قطعة أرض سابقا وأضطرته الظروف لبيعها .ان وجود مثل هذا الشرط يتنافى مع النصوص والالتزامات التي تنص على رعاية هذه الشريحة .
أما بخصوص الفئة الثانية 300 متر مربع فقد ذكر القرار(يتم بيع قطع الاراضي السكنيه البالغه مساحتها (300)م2 الى بقية المواطنين بمبلغ (250) مئتان وخمسون دينار للمتر المربع الواحد مضافا اليه مبلغ الخدمات وقدره (75000) خمسه وسبعون الف دينار للمتر المربع الواحد يُسدد بثلاثة اقساط بموجب ضوابط تصدر من قبل وزارة الاعمار والاسكان والاسكان والتعمير والبلديات والاشغال العامة والاشغال العامــة
مرة أخرى ستكون الوزارة جهة مسئولة عن استيفاء المبالغ بالوقت الذي لا يتوفر لها أذرع تنفيذية كافية في المحافظات.
وبموجب هذا القرار فان المواطن العراقي ولأول مرة يجد نفسه مطالبا بدفع كلفة الخدمات الأساسية من تبليط الطرق وشبكات الماء والمجاري والكهرباء التي يحتاجها لكي يسكن . وهذه انتقالة خطيرة في منهج تفكير الدولة تجاه مشكلة السكن. ان توفير قطع الأراضي المخدومة بالخدمات الاساسية هي حق يكفله الدستور، وهي حق للمواطن . ان هذا التحول الكبير في نظرة الدولة للسكن وعلاقته بالمواطن يحتاج الى اقرار قانون بالبرلمان ويجب ان تسبقه دراسات ومناقشات عامة تكفل تقبل مثل هذا التوجه من قبل المواطنين لا ان يصدر قرار يتضمن مثل هذا التحول بشكل مفاجيء.
ان مبلغ القطعة السكنية البالغ مساحتها 300 متر مربع سيكون 22500000 اثنان وعشرون مليون وخمسمائة الف دينار مضاف اليه سعر القطعة البالغ 75000 وهو مبلغ كبير اذا ما اعتبرنا ان المواطن يستطيع شراء قطعة ضمن الاراضي الزراعية المفرزة بشكل غير قانوني بمثل هذا المبلغ وهي اقرب الى مراكز المدن من الاراضي التي ستفرزها الوزارة . فضلا عن ان ثقة المواطنين بقيام الوزارة بتنفيذ الخدمات هي بالاساس ضعيفة . الوزارة التي لم تنفذ خدمات ضمن احياء مركز المدينة التي تم افرازها وتوزيعها وبناءها من قبل المواطنين منذ عقود كيف ستقوم بايصال الخدمات للمناطق التي سيتم تخطيطها وافرازها بموجب هذا القرار؟
ان القرار اعلاه لم يذكر طبيعة الخدمات التي تم استيفاء المبالغ عنها . فهل ستشمل المجاري والماء والكهرباء والتبليط، أم أن التبليط غير مشمول . ثم ان الكهرباء من اختصاص وزارة الكهرباء والمبالغ المستحصلة لدى وزارة الاسكان، فهل ستقوم وزارة الاسكان بمنح وزارة الكهرباء جزءا من هذه المبالغ؟ وكم ستطلب وزارة الكهرباء منها لقاء تمديد الشبكة الكهربائية بما في ذلك انشاء محطات تحويل جديدة وخطوط ناقلة؟
وبمراجعة معااير الاسكان الحضري التي أقرتها وزارة الاسكان والتعمير نجد أن المناطق السكنية يجب أن تضم خدمات اجتماعية وبمساحات محددة ابتداءا من رياض الأطفال والمدارس الى خدمات الصحة والشباب والتسوق وغيرها (كراس معايير الاسكان الحضري 2010)
وفی حال أفرزت الوزاره فی محافظة ما محلة سكنیة لاسكان من 2400 شخص، وبمساحة 300 متر مربع للقطغة الواحدة كما نصت الفقرة 3 من القرار وبما أن حجم الاسره هو 6 فهذا یعنی ان المحلة ستضم 400 قطعة سكنية، وسيكون هناك 420 تلميذ بعمر الابتدائية (17.5%)، و 180 طالب بعمر المتوسطة (7.5%) . وبهذا ستكون هذه المحلة بحاجة الى مساحات اضافية للخدمات الاجتماعية مقدارها 1.927 هكتار تضاف الى مجموع مساحات القطع السكنية التي تبلغ 12.6 هكتار، يضاف اليها شوارع ما نسبته 23% من الساحة السكنية الصافية اي 2.9 هكتار وبهذا يكون المجموع 17.425 هكتار.أما اذا أفرزت حيا سكنيا بحجم سكاني قدره 12000 شخص أي 2000 أسرة وبساحة 400 متر مربع فان مجموع المساحات للخدمات الاجتماعية سيكون 16.567 هكتار، وستكون مساحة القطع السكنية 80هكتار وتكون مساحة الشوارع في هذه الحالة كحد أدنى 30.4 هكتار أي ان الحي سيحتاج ما مجموعه 126.967هكتار (كراس معايير الاسكان الحضري 2010).
السؤال الذي يطرح هنا هو كيف سيتم تنفيذ هذه الخدمات؟ وما هي الكلف التي يتطلبها ذلك تنفيذ تلك الخدمات؟ هل ستكون الوزارة ملزمة ببناء المدارس والمراكز الصحية وبقية الخدمات التي نصت عليها معايير الاسكان فورا ومن ضمن المبالغ التي سيتم استيفاءها من المواطنين؟ أم أن تلك الخدمات سيتم التغاضي عنها وستترك للميزانيات السنوية؟ واذا ما علمنا ان احياء سكنية مشيدا قديما تفتقر لمثل هذه الخدمات، فهل يعني هذا ان الوزارة ستلتزم ببناء هذه الخدمات في المواقع الجديدة التي سيتم افرازها بموجب هذا القرار؟ وما هو السقف الزمني الذي ستلتلزم به الوزارة لتنفيذ تلك الخدمات؟
أما فئة الـ(400) م2 فما فوق يتم بيعها بمبلغ (250) مئتان وخمسون دينار مُضافـــــا اليه (ضعف مبلغ الخدمات المذكورة في الفقرة (ب) في اعلاه على الاقل بموجب ضوابط تصدر من قبل وزارة الاعمار والاسكان والاسكان والتعمير والبلديات والاشغال العامة والاشغال العامة.
كما نص القرار في الفقرة (3) على (تقيد جميع الايرادات الناتجة عن البيع والاستيفاءات عن الخدمات الاخرى للمناطق اعلاه في حساب مستقل في القسم البلدي او البلدية التي يتم استحداثها لتلك المناطق لغرض انشاء البنى التحتية وصيانة وتطوير القطاع البلدي فـــي ذات المنطقة وباشراف وزارة الاسكان وبالتنسيق مع المحافظة المعنية لحين انجاز كافة مراحل التصميم.
اذن وبموجب هذا القرار فالبلدية المستحدثة أو القسم البلدي المستحدث سيرتبط بالوزارة وينسق مع المحافظة، في حين ان بلديات المحافظة مرتبطة بالمحافظة وتنسق مع الوزارة وفي هذا ارباك وعدم وضوح.
أما في الفقرة 4 فقد نص القرار (يتم اقراض وزارة الاعمار والاسكان والاسكان والتعمير والبلديات والاشغال العامة والاشغال العامه المبالغ اللازمه لغرض تنفيذ الخدمات الاساسيه لحين استيفاء المبالغ من المستحقين ) ولكنه لم يوضح لا الجهة التي ستقرض وزارة الاسكان ولا مقدار القرض ولا كيفية تسديده وما اذا كان بفائدة ام بدون فائدة، في الوقت الذي ذهب القرار ذاته الى توضح كل هذه التفاصيل في الفقرة اللاحقة والتي تخص الوحدات واطئة الكلفة.
ونص القرار في الفقرة 5 على ( قيام وزارة الاسكان ببناء وحدات سكنية واطئة الكلفة عددها (33000) ثلاثة وثلاثون الف وحدة سكنيه وبسعر لايتجاوز (30.000.000) ثلاثون مليون دينار للوحدة الواحدة التي تبلغ مساحتها (200) م2 وبمبلغ اجمالي (990.000.000.000) تسعمائة وتسعون مليار دينار عراقي يتم اقراضـه الى وزارة الاسكان وبدون فائدة على ان يتم استرجاعهــا خلال (20) عشرون عاماً ويتم توزيع الوحدات على المحافظات وبموجب ضوابط تصدرها وزارة الاسكان. وقد حدد القرار 8000 وحدة سكنية لكل من بغداد والبصرة و4000 لنينوى، و2000 لذي قار، و1000 وحدة سكنية لكل من المحافظات الأخرى.
بخصوص هذه الفقرة يوجد عدد من الملاحظات.
أولا- هل لدى الاسكان القدرة على تنفيذ هذا العدد من الوحدات السكنية؟ اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار المشاريع السابقة التي اضطلعت بها وزارة الاسكان قبل اندماجها بوزارة البلديات والتي اتسمت بالتأخر او عدم الاكتمال سيما تلك التي نفذت في المحافظات.
ثانيا – ما هو تعريف السكن واطيء الكلفة؟ لم يذكر القرار مثل هذا التعريف ولو بشكل مختصر. كما أن القرار لم يبين نمط السكن الذي سيطبق في هذه الوحدات واطئة الكلفة، رغم أنه أشار الى أن مساحة الوحدة السكنية 200 متر مربع، وهو ما يعني أن سيكون متصلا ولم يتطرق القرار امكانية انفيذ سكن متعدد الأاسر ( عمارات سكنية) في حال دعت الضرورة الى ذلك مثل عدم توفر الأارض الكافية .
ثالثا – ان تحديد مبلغ محدد بثلاثين مليون دينار فقط للوحدة السكنية الواحدة ولكل المحافظات يعني ان القرار لم يأخذ بنظر الاعتبار الاختلافات المكانية من طبيعة التربة وتحملها للاوزان ومستوى المياه الجوفية وما تفرضه من زيادة الكلف . فمثلا في مدينة البصرة لابد من دفن وحدل الموقع قبل المباشرة بالبناء ولعمق قد يصل الى مترين في بعض المناطق، أما في محافظات أخرى فلا يتطلب الأمر مثل هذا الدفن بل يمكن البناء على منسوب الأرض الطبيعية. فهل ستصرف الوزارة نسبة كبيرة من المبلغ المخصص لدفن الموقع في البصرة وتترك الوحدات السكنية دون اكمال في الوقت الذي ستتمكن في محافظات أخرى من اكمال المجمعات السكنية؟
رابعا- لم يوضح القرار كيف سيتم تخصيص الاموال للبنى التحتية والخدمات الاجتماعية التي سيحتاجها مجمع سكني واطيء الكلفة يضم 8000 وحدة سكنية.
خامسا – لم يوضح القرار كيفية التصرف بهذه الوحدات السكنية . ان عبارة ( ويتم توزيع الوحدات على المحافظات وبموجب ضوابط تصدرها وزارة الاسكان) عبارة غامضة . فهل هي لغرض التوزيع أم البيع؟ واذا كان القرار قد دخل في تفاصيل تسعير الأراضي وتسعير كلف الخدمات وكيفية استرجاعها من المستفيدين بالنسبة للقطع السكنية التي سيتم توزيعها فلماذا أهمل كيفية التصرف بهذه الوحدات واطئة الكلفة؟
سادسا – لم يوضح القرار الاساس الذي تم بموجبه تحديد العدد الكلي للوحدات السكنية واطئة الكلفة (33000) وحدة سكنية، كما لم يبين الاساس الذي تم اعتماده لتوزيع هذه الوحدات على المحافظات . فاذا كان الاساس هو الحجم السكاني فان تخصيص 4000 وحدة لمحافظة نينوى و2000 وحدة لمحافظة ذي قار يعني ان عدد سكان الأولى ضعف الثانية، وان المحافظات التي خصص لكل منها 1000 وحدة سكنية متساوية في حجومها السكانية. أما اذا كان الاساس هو مقدار الحاجة الفعلية بسبب التدمير والحرب فان الحاجة السكنية في نينوى أكثر بكثير من ذي قار . صحيح ان البصرة تعاني أكثر من غيرها من ظاهرة العشوائيات الامر الذي يتطلب تخصيص اكبر عدد لها، بيد أن تخصيص وحدات سكنية واطئة الكلفة للمتجاوزين قد يؤدي الى زيادة هذه الظاهرة ضمن المدة التي تتطلبها عمليات التخصيص والتصميم والتنفيذ.
سابعا- هل تم اجراء جرد للمتجاوزين من سكنة العشوائيات لتحديد المستحقين منهم اذا كان سكان العشوائيات هم المستهدفين بهذا المشروع؟
ثامنا – لماذا لم يقترح وزارة الاسكان الاستفادة من تجربة كردستان مثلا . فالمعروف ان اربيل قد نفذت عدد كبير من المجمعات السكنية، ولديها قانون دعم الاسكان، وبموجب الآليات المتبعة فقد تم تجاوز العجز السكني بل تم توفير وحدات سكنية استوعبت كل النازحين من حرب داعش وانخفضت الايجارات بشكل ملحوظ بسببها، ولم يذكر احد ان تم تنفيذ وحدات واطئة الكلفة، كما لم تقم المؤسسات الحكومية بتنفيذ الوحدات السكنية الا على نطاق ضيق جدا.
تاسعا- . لماذا لم يتذكر القرار امكانية تكليف القطاع الخاص بتنفيذ مثا هذه المشاريع بموجب ضوابط توضع لهذا الغرض؟
وفي الفقرتين 6 و7 نص القرار على (استمرار توزيع قطع الاراضي السكنية في المناطق المخدومة للقضاة واعضاء الادعاء العام بموجب ضوابط تصدر من قبل وزارة الاسكان، شريطة عدم استفادتهم سابقا بقطعة ارض سكنية من الدولة وفقـــا لقرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 120 لسنة 1982) وكذلك على استمرار العمل بتوزيع قطع الاراضي السكنية للفئات المشمولة بالقوانين والقرارات النافذة على ان يتم تأمين مبالغ الخدمات للقطع المذكوره من قبل موازنة المحافظــة أو المؤسسة المعنية. ولكنه نص في الفقرة 8 على ايقاف العمل بأي نص يتعارض مع هذا القرار.ومن غير الواضح ما اذا كان ذلك يشمل مثلا بيع القطع الركنية والمتميزة بالمزاد العلني وهو من النصوص السابقة التي يفضل الابقاء عليها لانها توفر العدالة في التوزيع مثلما توفر مبالغ أخرى قد تنفع في عملية تنفيذ الخدمات.
2. الاستنتاجات
نستنتج من المناقشة السابقة ان القرار المبحوث قد أثار تساؤلات عديدة كونه لم يوضح الكثير مما يجب توضيحه سيما وأنه يتناول مشكلة كبيرة ومهمة لحياة المواطنين. ندرج ادناه تلك الاستنتاجات.
1.2 من الناحية الدستورية والقانونية :
انطوى القرار على نزعة مركزية من خلال تكليف وزارة مركزية بكافة مراحل المشروع من التصميم الى البيع واستلام بدلات البيع وبشكل يتعارض مع التوجه العام الحالي في اعطاء صلاحية أكبر للمحافظات. ويتضمن القرار مخالفة للالتزام برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك مخالفة للالتزام تجاه كافة الشرائح الفقيرة من المواطنين وخاصة تلك التي تتعلق بتوفير السكن اللائق. اذ ان نقل التزام الدولة بتوفير السكن اللائق للمواطنين من التزام عام مطلق وغير محدد قانونيا الى التزام بتوفير الأرض فقط من دون خدمات على ان يتحمل المواطن كلف الخدمات والبنى التحتية هو أمر جديد في العراق ويحتاج الى تشريع يصدر من البرلمان .
2.2 من الناحية الاجرائية:
انطوى القرار على غموض وعدم وضوح بخصوص تخصيص كلف اعداد التصاميم الاساسية للمناطق الجديدة، وكذلك كلف تصاميم المخططات للأبنية الجديدة .
ولم يبين القرار كيفة احتساب عدد الوحدات السكنية واطئة الكلفة، ولم يبين كلف الخدمات وماهيتها وكيفية تنفيذها، والأهم من ذلك كله ان القرار لم يتضمن الاشارة الى نوعية الخدمات التي سيتم الالتزام بتنفيذها وكيفية ذلك. ولم يبين القرارما اذا كانت هذه الوحدات السكنية واطئة الكلفة ستباع للمواطنين أم تخصص بدون بدل أم ببدل رمزي. ولم يلتفت القرار للاختلاف المتوقع بكلف الانشاء باعتبار الاختلافات البيئية بين المحافظات والمواقع المختلفة . ولم يتضمن القرار الاشارة الى امكانية تكليف القطاع الخاص بهذه المهمة. اذ ان مشكلة كبيرة مثل مشكلة العجز السكني المتراكم تتطلب اشراك القطاع بها سواء في مراحل الدراسات أو التصميم أو توفير المتطلبات كمواد البناء أو من ناحية التنفيذ .
3.2 من الناحية التخطيطية
تضمن القرار ثلاثة حلول لمشكلة الاسكان وهي توفير قطع أراضي سكنية باسعار رمزية للمشمولين بالرعاية الاجتماعية، وتوفير أراضي سكنية تباع للمواطنين لقاء توفير الخدمات لها، وبناء وحدات سكنية واطئة الكلفة . يبدو ان القرار المبحوث لم يعتمد على دراسات سابقة كما أنه ولم يشر بشكل واضح الى مقدار العجز السكني في العراق، ولم يبين النسبة المئوية التي يستهدفها من مجمل العجز الاسكاني الوطني. ولم يبين الحدود الزمنية المستهدفة . بمعنى آخر ان مشكلة قديمة وعميقة مثل مشكلة السكن لابد ان يضع القرار سقوفا زمنية لحلها .كما ان القرار لم يتضمن أية اشارة للتخطيط المستدام والصديق للبيئة . كما ان القرار لم يلتفت للاختلافات البيئية بين المحافظات. ولم يبين القرار الكيفية التي تم احتساب حاجة المحافظات للسكن واطيء الكلفة اذ جاءت أعداد الوحدات السكنية واطئة الكلفة اعتباطية، فهي لا تعكس العجز السكني ولا تمثل الحجم السكاني مثلما أنها لا تمثل مقدار الدمار الذي حصل بسبب الحرب. لم يتضمن القرار توضيح كيفية احتساب المساحات لقطع السكنية اذ لم يبين القرار على أي أساس تم اختيار مساحات مثل 300 و 400 متر مربع .
3. التوصيات
أن مشكلة العجز السكني تتطلب اعداد دراسات تفصيلية بالتعاون من مكاتب متخصصة . ومن الضروري لان يشمل ذلك ليس توفير الاعداد المطلوبة من المساكن فحسب بل يجب ان يشمل كيفية توفير مواد البناء والموارد اللوجستية الأخرى والعمالة .
يتطلب الأمر تشريع قانون يخول الجهات التنفيذية استيفاء بدلات مالية عن كلف الخدمات والبنى التحتية التي توفرها للمواطن. والا فان المباشرة بهذا الاجراء من دون غطاء قانوني يعد أمرا جديدا.
يوصي البحث بضرورة تفويض صلاحية ادارة المشكلة السكنية للمحافظات وعدم اناطتها بجهة مركزية من اجل تحقيق المرونة في التنفيذ ولكي تتوفر امكانية للوصول الى بدائل تأخذ بعين الاعتبار المتطلبات والخصائص المكانية المختلفة.
يجب الأخذ بنظر الاعتبار عند احتساب الوحدات السكنية التي ستنفذ في المحافظات المختلفة،الحجم السكاني للمدن ومقدرا العجز في كل منها ومقدار الدمار الذي لحق بها من جراء الحرب.
المصادر
1. جمهورية العراق وزارةالاعمار والاسكان الهيئة العامة للاسكان شعبة الدراسات، كراس معايير الإسكان الحضري،بغداد، 2010
2. المسعودی ” ریاض والسعدي، أحمد،(2012) أزمة السكن في العراق، مؤشراتها وستراتيجيات المواجهة، مجلة العميد، (2) 3
3. مركز الأمم المتحدة للمستقرات البشرية، المأوى للجميع، نيروبي، (1990)
4. Ministry of Construction and Housing, (2010). Iraq National Housing Policy. Retrieved from http://www.uniraq.org/index.php?option=com_k2&view=item&id=458:iraq-ministry-ofconstruction-and-housing-delivers-iraq-s-national-housing-policy&Itemid=606&lang=en.
5. Ministry of Construction and Housing. General Board of Housing. (2009). 1st national conference of housing sector Retrieved from file:///C:/Users/digital%20city/Downloads/Recommendations%20%20Iraq%20National%20Housing%20Conference.
en%20 (2).pdf.