بعد كل عملية اختطاف او اغتيال يبدأ بعضهم باختلاق روايات مكتوبة بصورة منمقة او فيديوات محترفة مخادعة، تستهدف قطاع المتلقي البسيط، للتقليل من بشاعة الجريمة او التبرير لها.
ويبدو لي ان الجدول الزمني المخصص للجريمة ومساندتها او محاولات حرف مسارات الراي العام ممنهجا ومدروسا، لان حملة استهداف الضحية تبدأ بعد يوم واحد من قياس اثر الجريمة في الراي العام، او قبلها لتوليد قناعة في نفوس المتلقين لتقبل ما يقال بعد الجريمة.
مثلا.. حين اغتيل الباحث في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي ظهرت عناصر وادوات تتداول معلومات مغلوطة عن المغدور، وعلاقاته بالمريخ، بهدف سحب الانظار عن اصل جريمة الاغتيال وللتقليل من وطأة الصدمة النفسية التي تشكلها الجريمة وانعكاساتها على ردات فعل الشارع.
وحين اختطفت الناشطة الالمانية هيلا ميوس ظهرت قصة انها تتنقل في بغداد متخفية وبصورة غير شرعية لان اقامتها منتهية، بهدف التبرير لاصل جريمة الخطف، بعد فشلت قصة ارتباطها المخابراتي في اقناع الشارع.
وعلى الرغم من نشر وثائق تثبت سلامة اقامتها القانونية، ويقينهم بصحتها، وعلمهم ان هناك اكثر من 40 الف بنغالي وباكستاني دخلوا العراق وانتهت اقاماتهم منذ سنوات ويعملون دون سند قانوني في مكاتب وبيوتات بعضهم، وان ميوس حصلت على اقامتها وفق السياقات الرسمية وبعلم الداخلية، لكنهم ينتهجون اسلوب “اكذب حتى يصدقك الاخرين”، كوسيلة لتحقيق هدفين، الاول لكبح التعاطف مع الضحية، والثاني لنصب الغشاء امام جمهور يناصرهم في بعض المناسبات، لكن تختلط لديه الاوراق حين يكونون في قبالة الشارع.
وطبعا لو كانت هيلا عراقية لاختلقوا قصة انها كانت تبحث عن اللجوء وانها كانت مختفية وليست مختطفة، فلا بد من ماسكات نفسية ومعنوية لكبح ردة الفعل الشعبية التي تتاثر سريعا بجرائم تخلخل الوضع الامني وتصيب المصالح المعيشية.
وهذا بالضبط ما جرى بعد اغتيال تحسين الشحماني ورهام يعقوب، وصولا الى اختطاف سجاد العراقي، حيث انبرى كبارهم لصناعة الماسكات النفسية، واشغال الجمهور بقصص هامشية.
ليس صعبا على الاطلاق التعرف على نوايا هؤلاء الذين يتكفلون مهمة صد ردات الفعل الشعبية جراء اي جرائم بشعة تلقى قلقا متصاعدا من الانفلات الامني، او كشف هويتهم، وليس صعبا تفنيد ما جاءوا به من روايات كاذبة وتضليل سيء.
لكن من الصعب حقا ان تكون لدينا دولة مؤسسات حقيقية تلاحق جيوش الفتنة والتضليل، وتجرِّم (وفق قانون نافذ استخدم مئات المرات ضد صحفيين)، كل من يطلق اشاعة او خطاب كراهية او يشارك في التبرير لجريمة.
من الصعب ايضا مواجهة عصابات التضليل والمليشيات الالكترونية التي تلقى دعما بعضه حكومي غير مباشر، واخر سياسي مصدره ثروات البلاد ومنافعه العامة، لكن ليس صعبا ابعاد هيئة الاعلام والاتصالات من نفوذهم، والقيام بمهامها للحد من الاشاعات وخطابات الكراهية.
قد ينتظر القارئ معالجات توقف ماكنات القتل الالكترونية، لكن هذا يعد نوعا من الرفاهية في ظل عيش تكسوه فوهات البنادق وصفائح السلاح وتحاصره شباك اللادولة، الا ان قيام السلطة الحالية بالتأسيس لمبدأ مكافحة خطابات حماية الجريمة يشكل منهجا قانونيا لمكافحة اصل الجريمة.