إن قضايا المرأة وحقوقها وتفعيل دورها أصبحت محط اهتمام المجتمع الدولي وتنامي الدراسات الخاصة بالمرأة، إذ شكلت حقلاً معرفياً أكاديمياً مستقلاً في العديد من الدول، ويرتبط مفهوم الجندر ارتباطأً وثيقاً بحقل دراسات المرأة، وهو مصطلح حديث يثير جدلاً والتباساً لدى الكثيرين، حيث أن كلمة الجندر هي كلمة أجنبية تم تعريبها الى مصطلح (النوع الاجتماعي)، وهو مفهوم ثقافي يشير الى الأدوار والحقوق والمسؤوليات المختلفة التي تخص النساء والرجال والعلاقات القائمة بينهم ولا يقتصر المفهوم على النساء والرجال، وإنما يشمل الطريقة التي تحدد بها خصائصهم وسلوكياتهم وهوياتهم من خلال مسار التعايش الاجتماعي، فهو مقاربة يستعمل كأداة لفهم واقع النساء والرجال وفهم أصل التفاوتات بينهما في كافة المجالات والسعي نحو القضاء عليها وإحلال المساواة في الحقوق والواجبات بدل عن اللامساواة والتمييز بينهما. مقاربة النوع الاجتماعي بدأت تفرض نفسها في الأبحاث الأكاديمية في كافة التخصصات لأن فهم الواقع يقتضي مقارنة وضعية الرجال ووضعية النساء من أجل تبيين الاختلافات القائمة بين واقعيهما الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، لذلك فإن مقاربة النوع الاجتماعي أصبحت على علاقة وثيقة بالمجالات كافة حتى الأدبية واللغوية، فضلا عن اعتبار نسبة إدماج النوع الاجتماعي في السياسات العامة للدول وخططها التنموية من ضمن أهم مؤشرات مستوى الديمقراطية.
واستنادا الى كونه مفهوماً حديثاً فانه يحتاج الى كثير من العمل لترسيخه في المجتمع، وبصورة عامة يرتبط مفهوم النوع الاجتماعي بحالات عدم اللامساواة في النفوذ وفي إمكانية الاستفادة من الخيارات والموارد وتتاثر المواقع المختلفة للنساء والرجال بالحقائق التاريخية والدينية والاقتصادية والثقافية ويمكن لتلك العلاقات والمسؤوليات أن تتغير، كما يقر استخدام مصطلح النوع الاجتماعي أن أشكال التمييز بين النساء والرجال تتقاطع مع أشكال أخرى من التمييز كالتمييز بسبب الانتماء العرقي أو الطائفي أو الطبقي.
إن الجذور التأريخية لنشأة وظهور مفهوم الجندر تعود الى ثمانينات القرن العشرين كمصطلح استخدم في قاموس الحركة النسوية حيث ظهر في أمريكا الشمالية ومن ثم أوربا الغربية عام 1988. وقد دخل مفهوم الجندر إلى المجتمعات العربية والإسلامية مع وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان 1994، إذ ذكر في (51) موضعاً من هذه الوثيقة، منها ما جاء في الفقرة التاسعة عشرة من المادة الرابعة من نص الإعلان الذي يدعو إلى تحطيم كل التفرقة الجندرية. ولم يثر المصطلح أحداً، لأنه ترجم بالعربية إلى (الذكر/ الأنثى)، ولم يُنتبه إليه، ثم ظهر المفهوم مرة أخرى ولكن بشكل أوضح في وثيقة بكين عام 1995، حيث تكرر المصطلح 254 مرة.
وتعتبر التنشئة الاجتماعية هي المسؤولة عن تحديد الأدوار الاجتماعية المختلفة للمرأة والرجل، من خلال تلقينها، سواء بشكل ضمني أو معلن، حيث أن لكل ثقافة إيدولوجية مختلفة تخص النوع الاجتماعي، هي المسؤولة عن تحديد أدوار وسلوكيات الرجال والنساء كما تقوم بتقسيم الحقوق والمسؤوليات والموارد لكل منهما.
وفي هذا الإطار، فإن واقع الحال يفرض على المتخصصين في علم الاجتماع والنخب الثقافية والاكاديمية ومراكز الدراسات والبحوث ومنظمات المجتمع المدني تبني عملية رفع الوعي المجتمعي بمفهوم النوع الاجتماعي وصياغة استراتيجيات تكفل المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص للجنسين في مختلف المجالات، ومما لا شك فيه أن الحاجة باتت ماسة لتعريف الناشئة بمفهوم هذا الحقل المعرفي وجعل تكنولوجيا الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لادماج النوع الاجتماعي في كافة المجالات، لتجنب سوء توظيف المفهوم بطريقة تهدد نسيج المجتمع المحلي والعمل على تحقيق علاقات تقوم على التشارك وليس التصادم والتناقض.